تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تحت الضوء.... الاقتصاد الكلي السوري .. تجاذبات السياسة الحكومية ورؤى الباحثين... د. الدردري : أولوياتنا واضحة و نعرف أين نتجه

تحقيقات
الاحد 4/12/2005م
الندوة التي سنتناولها هنا لم أحضرها و لم يحضرها أي صحفي سوري ما عدا أحد الزملاء المتقاعدين رغم أهميتها الفائقة

و حتى لا يوجد أي تسجيل لها لدينا لذلك اضطررت إلى طلبه من زميلنا الذي راسل مصر وحصل عليها.‏‏

أقيمت الندوة في شهر آب لمناقشة تقرير أعده منتدى البحوث الإقتصادية بالتعاون مع الاتحاد الأوربي و الصندوق العربي و بتمويل من هذين الأخيرين و جاءت في إطار سلسلة ندوات و أحداث علمية اقتصادية خططت لها هيئة تخطيط الدولة.‏‏

تأتي أهمية الندوة من قيام المشاركين فيها بتشريح الاقتصاد السوري من زوايا مختلفة يمكن اختصارها إلى زاويتين أو رؤيتين رئيسيتين : الرؤية الحكومية الخاضعة لتجاذبات القرار الاقتصادي وغير الاقتصادي و متطلباتهما إضافة لتجاذبات تجسيد السياسات الاقتصادية المعتمدة ووضع الخطط لتنفيذها ورؤية الباحث و الأكاديمي الحرفي تفكيره الطليق في صياغة و ترتيب المعطيات الإقتصادية المتوافرة لديه .‏‏

تحت هذين المبضعين و بيدي هذين الجراحين مرت على طاولة التشريح ثلاثة محاور رئيسية هي مؤشرات الاقتصاد الكلي السوري ,المصارف و التأمين ,البطالة و العمل . و سنتناول هنا المحور الاول نظراً لأهميته الفائقة و ربما نستكمل لاحقاً المحورين الآخرين مع الإشارة إلى أننا لم نتمكن من معرفة أسماء بعض المشاركين كاملة لذلك اكتفينا باسم واحد و أيضاً لم نتمكن من الحصول على صور للندوة مما اضطرنا إلى استخدام صور أرشيفية لمن استطعنا الحصول على صورهم مع الاعتذار من الباقين .‏‏

نشكر منتدى البحوث الاقتصادية على هذا التقرير ونشكر الاتحاد الاوربي والصندوق العربي على تمويلهما ودعمهما لهذا المنتدى , هذا التقرير لايعبر عن رأ ي الحكومة السورية ولاأعتقد أنه يعبر عن رأي الجهات الممولة له , بل يعبر عن رأي الباحثين الذين أعدوه وكتبوه ونحن نحترمهم ونقدرهم , وبطبيعة الحال إن المعلم الرئيس للمرحلة هو الحوار والتشاركية وليس منطقياً أن نسير قدماً في إعداد الخطة الخمسية العاشرة وإقرارها دون أن نستمع إلى آرائهم ونرى ماذا يمكن أن نستفيد منها , وهي آراء غير ملزمة لنا كما أن آراءنا غير ملزمة لهم .‏‏

إذا كان التقرير استشهد بما يراه د.راتب الشلاح من أنه ليس لدينا أولويات واضحة خلال هذه الفترة اسمحوا لي أن أؤكد على الأولويات المطروحة في الأشهر المتبقية من عام 2005م والأشهر الستة الأولى من عام 2006م , رغم أن الخطة العاشرة هي برنامج تحول مجتمعي جذري وشامل يتناول جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وصولاً إلى اقتصاد تنافسي قوي ومندمج في الاقتصاد العالمي ويحقق التوازن بين الاقتصادي الكفاءة الاقتصادية وبين العدالة الاجتماعية ويضمن أن تصل فوائد النمو الاقتصادي إلى جميع أفراد الشعب السوري . وبالتالي من المنطقي أن نضع كاقتصاديين الأولويات , فعلم الاقتصاد في صلبه هو علم الأولويات ووضعها .‏‏

نحن لانغلق الباب أمام أية فكرة , نبحثها داخلياً ونرى إن كانت مناسبة لنا , لكن في خضم هذا الطيف الواسع من البرامج التي تقترحها الخطة الخمسية العاشرة ماهي الأولويات الرئيسية للمرحلة المقبلة وماهي خلاصة الحوارات التي أجريناها مع أطراف ومؤسسات دولية وعربية ومحلية وخبراءومجموعات اقتصادية ومجتمع أهلي ومنظمات رسمية وشعبية ?‏‏

الأولوية الأولى هي استكمال الإطار التشريعي للتحول نحو اقتصاد السوق الاجتماعي , وهذا الاقتصاد لايعمل دون مناقشة , ولاينجح دون قانون شركات ودون قانون تجارة متطور عصري حديث يأخذ بالاعتبار المرونة والتأقلم وبالتالي من يطلع على الجهد المبذول لاستكمال قوانين العمل والمنافسةو الشركات و التجارة وأيضاً قانون سوق الأوراق المالية قبل نهاية هذا العام وغيرها من القوانين الضرورية كمكافحة الإغراق وحماية المنتج المحلي , يدرك أن هذا الجهد قائم وأن هناك وضوحاً في الرؤية.‏‏

الأولوية الثانية هي تطوير النظام المصرفي والمالي لأننا ندرك أنه لايمكن إنجاح نظام اقتصاد سوق اجتماعي دون نظام مصرفي, وسورية تعمل على إعادة هندسة كاملة لنظامها المالي والنقدي من ناحية استغلالية المصرف المركزي ومجلس النقد و التسليف في إطار السياسات الحكومية الكلية , وإعادة هندسة العلاقة بين السياسة النقدية والسياسة المالية, وإعادة هندسة العلاقة بين المصرف المركزي والمصارف العامة وصولاً بالمصارف العامة والخاصة إلى قاعدة عمل موحدة تجمع بينها على أساس التنافس الحر والعادل والشريف على أساس القواعد والإجراءات المصرفية العامة بغية التوصل إلى نظام مصرفي فعال و شفاف يستطيع تعبئة الموارد المتاحة ضمن المدخرات الوطنية و الاستثمارات الخارجية لتمويل التنمية و التجارة في سورية , و أؤكد أننا سنكون حتى نهاية هذا العام قد قطعنا أشواطاً هامة بما في ذلك مراجعة عدد من القوانين الجديدة المتعلقة بتطوير العمل المصرفي و تطوير السياسات المالية , لا سيما العلاقة بين السياستين النقدية و المالية .‏‏

الأولوية الثالثة هي تنمية الصادرات لأنها تعكس جانب العرض في الاقتصاد السوري و تعكس قدرته المؤسساتية . هذا يعني أننا مدركون تماماً للتطورات المحتملة في صادرات النفط و تراجع عائداته و أثر ذلك على ميزان المدفوعات و الدخل القومي و مدركون أنه يجب علينا الوصول في عام 2010 إلى أن تكون صادرات النفط 15 % من مجمل الصادرات بدلاً من 70 % الآن , وهذا تحول جذري كبير في هيكل الناتج المحلي الإجمالي و هيكل الصادرات يتطلب سياسات تجارة خارجية متطورة و تسهيلات تجارية و بنية تحتية من طرق و مطارات و موانىء قادرة على التعامل مع هذا التغير الجذري في الميزان التجاري و يتطلب مؤسسات بدأنا بإقامتها مثل هيئة تنمية الصادرات و مؤسسات و برامج لتمويل الصادرات و ضمانها و بالتالي ستعكس هذه الأولوية قدرة العرض في الاقتصاد السوري على التفاعل إيجابياً و ستعكس فرص الخدمات و الإنتاجية و تنافس الخدمات و البنية التحتية و ستعكس أيضاً الفكر المؤسساتي الجديد الذي نعمل الآن على ترسيخه.‏‏

الأولوية الرابعة مرتبطة بالأولويات الثلاث السابقة هي تحسين البيئة الاستثمارية وهذا موضوع شائك ومعقد له مدخلات عديدة , هناك المدخل التشريعي من خلال تطوير قانون جديد للاستثمار و بناء هيئة عامة جديدة للاستثمار تشكل نافذة واحدة للمستثمر و من خلال تطوير و تحرير جملة قيود و إجراءات إدارية و الأهم هو تطوير العقلية الاستثمارية و الإدارية في سورية . و المؤشرات الأولية تشير إلى تجاوب إيجابي و هنا أختلف مع د. سمير عيطة حول ما ذكره من أن المستثمرين السوريين لا يأتون للاستثمار في سورية , إذ شهد عام 2004 قفزة هائلة في قانون الاستثمار رقم / 10 / و سجلنا / 204 / مليارات ليرة سورية أي ما يعادل / 4 / مليارات دولار من الاستثمارات الجديدة و معدلات التنفيذ تتسارع بوتيرة عالية جداً و بالتالي لم يعد الموضوع هو فقط تشميل مشاريع على الورق و حتى تاريخ 30 / 6 / 2005 رخصنا مشاريع جديدة برأسمال قدره / 2,5 / مليار دولار , حوالي / 2 / مليار منها لمشاريع صناعية وزراعية ونتوقع أن يصل مجمل الاستثمارات حتى نهاية العام الحالي إلى / 5 / مليارات دولار و هناك فريق عمل متفرغ الآن لمتابعة كل مشروع و التأكد أنه يتحول من مشروع مرخص علي الورق إلى مشروع على الأرض و إزالة جميع العقبات الإدارية و غير الإدارية من وجه هذه المشاريع و هذا لا يتضمن بطبيعة الحال المشاريع الضخمة التي وقعنا اتفاقات و مذكرات تفاهم حولها مع شركات استثمارية كبيرة من دول الخليج العربي ودول أوربية كألمانية مثلاً و تفوق قيمتها الإجمالية / 7/ مليارات دولار في عام واحد لذلك بدأنا نلمس نتائج التطور في اللغة الاقتصادية السورية وبدأنا نلمس نتائج التطور في العمل والفكر الاستثماريين , ومع ذلك لم نزل نعتبر أنفسنا مقصرين , وحسب تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر مؤخراً و يدرس في واشنطن و حسب المادة الرابعة منه عن سورية يمكنني القول إن ثمار الإصلاح الاقتصادي بدأت تظهر.‏‏

الأولوية الخامسة هي التنمية الاجتماعية و تخفيف الفقر ورفع مستوى المعيشة لأننا مالم نضمن وصول هذا الجهد و نتائجه إلى كل مواطن في سورية فإنه لن يحقق أهدافه و هذا هو التفسير الاولي لاقتصاد السوق الاجتماعي , إنه اقتصاد يسعى إلى النمو عبر آليات السوق ويهدف إلى عدالة التوزيع على مستويين الأول مستوى السياسات بحد ذاتها أي تطوير سياسات كلية مؤتمتة لتخفيف الفقر و سياستنا المالية و النقدية و سياسة التجارة الخارجية الآن موائمون لتخفيف الفقر , ما أريد قوله هو أن هناك نوعين من السياسات الاقتصادية الكلية , نوع يهدف إلى النمو فقط و تحقيق توازن في الموازنة , ونوع نعتمده و هو اقتصاد سوق يأخذ البعد الاجتماعي و يهدف بالإضافة لتوازن الموازنة إلى توازن التنمية إذ لا فائدة من موازنة متوازنة دون تنمية متوازنة بين مختلف مناطق القطر وتلبية احتياجات مختلف شرائحها الاجتماعية . الثاني مستوى البرامج المباشرة التي بدأنا العمل بها و بجهود لنشر مفهوم التمويل الصغير و المتناهي الصغر في كل القرى السورية و جميع المناطق و في جيوب الفقر , و ذلك لضمان وصول التمويل إلى يد كل مواطن يستطيع الإبداع و المبادرة لكي يصير مدراً للدخل و خالقاً لفرص العمل و ليس فقط متكسباً أو متعيشاً على حساب أحد إذاً مكافحة الفقر في صلب السياسات إضافة إلى أن الصحة و التعليم هما محوران أساسيان في الخطة الخمسية العاشرة بغية إجراء إصلاح جذري لهما للوصول إلى تعليم خلاق و فاعل يصب في اقتصاد المعرفة مع مضاعفة الاتفاق على التعليم خلال السنوات الخمس المقبلة , و للوصول إلى نظام صحي متطور يوفر الخدمات الصحية الأساسية لجميع فئات المجتمع كماً و نوعاً بما يتماشى مع مضاعفة الإنفاق على هذا المجال , وباختصار القضية الاجتماعية في صلب الأولويات و تتمثل بترسيخ مفهوم التنمية الاجتماعية في الخطط الكلية أولاً و نشر آليات التمويل الصغير عبر الأرياف السورية ثانياً.‏‏

الأولية السادسة هي التطوير المؤسساتي و الإصلاح الإداري و هذه المسألة تلازمنا مدى الحياة و لا ترتبط بفترة معينة , و ما بدأنا العمل عليه من الآن حتى منتصف العام المقبل هو تحديد ما يسمى تحسين الخدمات للمواطن , خاصة في نقطة الالتقاء بين الخدمة الحكومية و المواطن .‏‏

الاولوية السابعة هي إصلاح القطاع العام الصناعي و الإنشائي وهذا يعني إعادة هيكلية وزارة الصناعة ورسم دور جديد لها فيما يتعلق بالاشراف على السياسة الصناعية و توجيهها والتركيز في شق منها على إعادة إصلاح القطاع الصناعي ليكون مرناً مستقلاً تنافسياً وقادراً على التعامل بكفاءة مع متطلبات المرحلة المقبلة مع الحفاظ على مكتسباته الاجتماعية و أؤكد هنا أننا لسنا بصدد تسريح قسري لأي موظف في الدولة و إذا كنا بين خيارين في معدل النمو 7 % أو 8 % و كانت ال7 % تعني عدم تعريض المواطن السوري لهزات اجتماعية لا ضرورة لها فسنختار معدل النمو الذي يحقق التوازن الاجتماعي وحزم الأمان الإجتماعية و الحماية الاجتماعية لأن تجارب كل الدول تشير إلى أن استمرارية النمو تظل مهددة بالخطر دون أمان اجتماعي لذلك عندما نتحدث عن نمو 7 % أو 8 % نقول نمو مستدام و هو نمو غير معرض لخطر هزات اجتماعية تطيح به في أية لحظة , إذاً إصلاح القطاع العام ليتحول إلى مصدر نمو بدل أن يكون مصدر استنزاف هو من أولوياتنا في المرحلة الأولى .‏‏

هذه القضايا السبع مرتبطة ببعضها و لا تسير إحداها دون الأخرى و يجب أن نضع أمام أعيننا أننا إذا نجحنا فيها وبدرجات متفاوتة نستطيع أن ندعي أننا وضعنا القاعدة الأساس الصلبة للانطلاق في مشاريع الخطة الخمسية العاشرة و تحقيق أهدافها برؤية واضحة و أعتقد أن هذا يجيب على أسئلة السيد هيسكة وهي : أين برنامج الإصلاح الاقتصادي السوري و أين هي الخطة الخمسية العاشرة و هل نسير على غير هدى , و أؤكد لسيادته أننا نسير على نور و نعرف أين نتجه .‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية