|
واشنطن لكن في الواقع هذا هو الهدف الصعب الذي من أجله سيقوم رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير بجولة على دول أوروبا الشرقية. لكن ما يزيد من صعوبة الأمر هو أن بلير يحمل معه حجة مقنعة جداً. لكن مزيج السياسات المحلية والأوروبية والدولية يمنعه من القيام بمهمته بقناعة كافية. والدول الأوروبية الغنية التي من المفترض أن تعرف ذلك, انتهجت موقف المتفرّج على القطار الذي سيجتاح ميزانية الاتحاد الأوروبي والمفاوضات التجارية الدولية على الأرجح. وميزانية الاتحاد الأوروبي الحالية والتي تقدّر بحوالي 131 مليار دولار سنوياً, يجري تنظيمها عادة على فترة سبع سنوات أي ما يعني مبلغاً إجمالياً بحوالي 3 تريليون دولار أو ما يزيد بقليل عن 1% من مجموع الناتج القومي المحلي للدول ال 25 الأعضاء. ويبدأ العمل بالميزانية المقبلة للاتحاد في العام 2006 - الأمر الذي يعني أنه من الأفضل إقرارها أو التوافق عليها في فترة قريبة جداً. وتقع مسؤولية إقرار الميزانية على بلير أقله حتى الأول من كانون الثاني المقبل نظراً لترؤس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي. فتوسيع الاتحاد الأوروبي اضاف اليه 10 دول فقيرة معظمها من أوروبا الشرقية. وتطالب هذه الدول عن حق بالحصول على جزء من الغنيمة الأوروبية ولا ترى أي سبب يجعلها تساهم في الاقتطاع الذي تستفيد منه بريطانيا التي لديها اليوم ناتج قومي بالنسبة للفرد يفوق الناتج في فرنسا أو ألمانيا. لذا, يخوض بلير حرباً على عدة جبهات. أولاً عليه مراقبة الوضع الداخلي في بريطانيا لكي لا يقع فريسة لعناوين الصحف المعارضة. ثانياً, عليه أن يهدئ من روع الدول الغنية مثل فرنسا وألمانيا وهولندا التي هي أيضاً من أكبر المساهمين في ميزانية الاتحاد والتي ترغب في الاستفادة من اقتطاعات مماثلة للتي تحصل عليها بريطانيا. ثالثاً, عليه أن يقنع الدول الأوروبية الشرقية الفقيرة أنه على اعتبار أنها غير قادرة على إنفاق جميع الأموال المتوفرة في ميزانية الاتحاد الأوروبي الحالية لمساعدتها على بناء الطرقات وغيرها من البنى التحتية, فعليها أن (تبلع) الاقتطاع بنسبة 10 % عن حصتها من صندوق التنمية البنيوية. وأصعب المهمات أمامه هي إقناع فرنسا بأن وحشية برنامج الغذاء أءذ الذي يبقي أسعار الغذاء في أوروبا مرتفعة من أجل إفادة مزارعيها وتمويلهم, يجب أن يخضع لإصلاحات جذرية. ويعرف الجميع بأن هذا الأمر حقيقي, بمن فيهم وسائل الإعلام الفرنسية التي أشارت في الأسابيع الماضية بأن كبار صناع قطاع الأغذية الفرنسيين إلى جانب أمير موناكو هم المستفيدون المباشرون من برنامج الغذاء أءذ وليس صغار الفلاحين الفرنسيين الذين من المفترض أن يكونوا هم المستفيدون منه. لكن الرئيس الفرنسي جاك شيراك لن يتزحزح عن موقفه, خاصة إذا كان ذلك لصالح مساعدة عدوه الأنغلو سكسوني القديم. وتمكن شيراك من التفوق على بلير في المناورة عندما حّول الجدل داخل الاتحاد الأوروبي من النقاش في دفاع فرنسا عن برنامج أءذ إلى نقاش حول الاقتطاعات التي تحصل عليها بريطانيا وعن دناءة بلير تجاه دول أوروبا الشرقية. لذا تقدّم بلير بتسوية منطقية, فقد أعلن عن استعداده للتخلي عن الجزء من الاقتطاعات التي تستفيد منها بريطانيا والتي تستعمل من أجل توسيع الاتحاد الأوروبي, وتحويلها لمساعدة الدول الفقيرة الأعضاء في الاتحاد, لكنه غير مستعد على الإطلاق التخلي عن أي من هذا الاقتطاع لصالح برنامج أءذ. ولم يمر هذا الإعلان بطريقة جيدة في بريطانيا, حيث وصفه الناطق باسم حزب المحافظين غراهام برادي بأنه (الفشل الأخير في الرئاسة البريطانية الكئيبة وغير الكفوءة للاتحاد الأوروبي). وتحوّل ميزانية الاتحاد الأوروبي الرأي العام البريطاني بعيداً عن أوروبا, وبما أنه من المرجح أن يفشل بلير في التوصل إلى إقرار الميزانية خلال الأسبوعين المقبلين, فسيصير هذا العمل من صلاحيات النمساويين الذين سيتولون الرئاسة الدورية المقبلة في الأول من كانون الثاني القادم والذين يعتقد أنهم سيعرضون على بريطانيا اتفاقاً أسوأ. ويزعم السير جون إيغان الرئيس السابق لجمعية الصناعيين البريطانيين أن البيروقراطية الأوروبية تزداد سوءاً. وقال (إن إنتاج أوروبا لمزيد من التشريعات وصل في الواقع إلى الحدود الخطيرة. فمن أصل أل 22 ألف قانون التي يعمل بها الاتحاد الأوروبي, تم اعتماد 12 ألف قانون منها خلال السنوات الثماني الماضية منذ العام ,1997 مقارنة مع 10 آلاف قانون اعتمدت خلال أربعين عاماً منذ العام 1957 إلى العام 1997). وبالمختصر, فإن بلير لم يحقق تقدماً كبيراً منذ وصل إلى سدة الحكم وأطلق تعهده بتحسين العلاقات البريطانية - الأوروبية. كما إن سلفه جون مايجور واجه المشكلة نفسها حين وعد لدى توليه رئاسة الحكومة (بوضع بريطانيا في قلب أوروبا) وفشل فشلاً ذريعأً. كما كانت أوروبا المسألة التي سببت الإطاحة بمارغريت تاتشر من قبل حزبها. لقد أصبحت أوروبا نوعاً من الورم السرطاني الذي يتغلغل في قلب السياسة البريطانية ويدمّر القادة السياسيين من الحزبين, تماماً كما كانت عليه أيرلندا في القرن التاسع عشر. ولعل التعويض الوحيد هو التطلّع عبر القناة الإنكليزية إلى فرنسا حيث تقهقرت شعبية الرئيس الفرنسي جاك شيراك وهزم في الاستفتاء الشعبي على الدستور الأوروبي الموحد في أيار الماضي, وحيث بدأت أوروبا بالتحوّل إلى ورم خبيث على السياسة الفرنسية أيضاً. |
|