تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يومٌ ...منتزع من أيام التعاسة

الصفحة الاخيرة - نوافذ
الاحد 4/12/2005م
عبد النبي حجازي

ولوانّ ما أنساه لينَ فؤادِه فَقَسا استُلينَ به للانَ الجندلُ

خرجنا من الامتحان نتمتم البيتَ مترنحين , وتلاقت العيون بابتسامات بلهاء . سأل أحدهم : «من فهم معنى البيت?« وجم الجميع . كان مطلوباً إعرابه ومادام الإعراب عبداً للمعنى فقد غدونا بلامعنى .‏‏

أمضيت يوماً بين يدي التلفزيون والصحف , فارتَدَدْتُ من حيث لاأشعر أربعين عاماً إلى الوراء , إلى حديقة الجامعة أتذكر البيت , أترنّح كمن تناول جرعة مخدر . وغدت الحياة بلا معنى . غدت غموضاً كالضلال .‏‏

في العراق تُعقد محاكمة صدام وجماعته . تُسجل الوقائع مسبقاً ثم تُعرض بعد نصف ساعة على (حلقات) مُنتقاة من التفاصيل. ورغم هذا بدتْ طويلة , باردة , فجّة , شبه صامتة وبدا القضاة يتلهَّوْن بعرض المتهمين على الجمهور بأسلوب شبيه بالنّخاسة .‏‏

بدا القضاة أتعسَ ممن يقاضون , بدوا وهم ينفذون أوامر المحتلين كالرهائن , كمن يمارس المعصية مرغماً .‏‏

ويماطل بوش بسحب القوات الامريكية وتطلب الحكومة العراقية ببقائها لان بقائها منوط ببقاء الاحتلال ةيضيف بوش مكرها الى كذبة اسلحةالدمار الشامل التي تسلق عليها لاحتلال العراق كذبة جديدة هي استراتيجية انسحاب تدريجي .‏‏

في برنامج تلفزيوني عرضتْ صحفيّة بريطانية أهوال أمريكا في العراق من خرائب ودمار وقتلى وجرحى أطفالاً وشيوخاً ونساء بالمئات . قالت عراقية ثكلى وقد يبس الأسى على عينيها (لقد منحوا صدام البراءة بفظائعهم) .‏‏

في سجن عوفر تتهاوى السياط على الأسرى الذين يستنكرون مايُمارس عليهم من قهر وتعذيب مماأدى إلى البطش بأحد قياديي الجبهة الشعبية . في هذا السجن وحده1600 أسير فيهم350 من النساء 150من الأطفال ! (من أصل000 8 معتقل في سجون أخرى) والأمهات والزوجات المعتصمات على الحواشي يبكين وحدهن ضائعات مندحرات. أصدرت إسرائيل أحكاماً بالسجن ارتفعت بالتدريج إلى ستمئة سنة ثم بلغت قمتها على أحد الأسرى ثمانمئة سنة . أي أن إسرائيل تنوي الإقامة والتوسع أكثر من الصليبيين , والمغول , والتتر , والعثمانيين , وسايكس بيكو ... مجتمعين . ياالله على هذا الطموح ! راجع البؤساء محمود عباس رئيس السلطة أن يتوسط في إنهاء التعذيب , فوعد بصرامة وحماسة أن يضع المارد في القمقم , أن يطالب بتحرير جميع الأسرى وفي قبضته (أوسلو) التي ذابتْ وتفتَّتَتْ منذ عُزل عرفات , ومرض وقضوا عليه . وشارون المعصوم من الإدانة منعكف على تأسيس حزب جديد بعد أن ملَّ من التكرار والمَطَل .‏‏

في دارفور في السودان تحاك المؤامرات ويستتر الكيد . يوهمونك أن (الغرب) أكثر إشفاقاً وحناناً على السودان من أبناء السودان.‏‏

وتتابع لقاء (برشلونة) والدلال الإسرائيلي والرَّوَغان (الغربي) الذي لايزال يرى العرب فئران للتجارب .‏‏

وتتابع أخبار مَن يخطبون ودّ أمريكا من الأشقاء وهم ينظرون إلى سورية نظرة عطف وإشفاق ويتباهون أنهم القادرون على منحها جرعة السمّ لتموت بسلام وأمان . يقلقهم أنها جزء من أمة ينتمون إليها رغم أنفها وأنفهم . وأنها كُتبَ عليها التناوب بين الصحو والكبو , كتب عليها البقاء رغم أنفها وأنف المصاعب والمصائب .‏‏

وتتابع الشاهد المقنَّع على شاشات التلفزيون , وتهافت بعض أشقائنا في لبنان على إدانة سورية . وتعتب على ال ( (NEW.T.Vالتي هزَّها الشاهد المقنع بعد أن كان بالأمس بشراً سوياً يوم تعاملتْ معه في المرة الأولى . والآن أخذتْ تعرض حسبه ونسبه , وتثبتُ أنه نصاب أفاق لتتبرّأ منه وتبرِّئ من احتضنوه من سراة القوم المتوثبون الكيّادون , الذين لاذوا أخيراً بلعبة العسكر والحرامية فأخذوا خطيبته وأهلها رهائن ليستلوا منهم بالترهيب والترغيب اعترافات مناقضة . والذين كلما بدأت خطوة انفراج بين سورية ولبنان نفَروا إلى هَتْكِها .‏‏

إن بوادر القطيعة التي يبشّر بها البعض من أصحاب المعالي البكوات , وبعض السياسيين الطالعين) وعزواتهم تجعلهم يسبحون عكس التيار مهتاجين لاينثنون حتى يصابوا بالتقلُّص العضلي , وتتقطَّع أنفاسُهم , عندئذ يرفعون أيديهم طلباً للجلوس على كرسي الاعتراف .‏‏

إن أحلامهم بالقطيعة وبالاستماتة على (إركاع سورية) تُلْقِحُ كشافاً ولن تلدَ سوى مشوَّهي التكوين وسوى أوهام تسحقها أضراس التاريخ . أو يثوبون إلى رشدهم وينذرون لله صمتاً ... ويتركون الناس يتغدّون في البردوني ويتعشون في الربوة , ونادي الشرق الذي كان وليد بك ماينفك عن ارتياده ... ويتسوّقون من سوق الحميدية , ومن شارع الحمراء ..‏‏

ماذنب الناس تحاولون أن تشحنوا صدورهم بالإحن , وآذانهم بالأصوات النشاز ? فهل أنتم قادرون أن تسلخوا عنهم جلودهم وتلبسوهم جلوداً أخرى ? وانتم أنفسكم ! مهما تزيَّيْتُم بغير زيكم , ولعبتم في مرابع غير مرابعكم ; ومهما طابت لكم الريح العجفاء الحبلى بنتن العمالة ... ألا تتوقعون أن تتمزق أشرعتكم ذات ساعة فتغرقون في القاع وتكون مطامحكم وأوهامكم وبالاً عليكم ?‏‏

لبنان لم يركع يوماً أمام الفاتحين قدامى وجدداً , أولئك الذين يتكالبون على الشعوب الضعيفة من كلِّ اتجاه . لبنان ليس ضعيفاً وساحة الشهداء , وقلاع شتورة , وصنين الشامخ شواهد لمن لايقنع حتى يرى .‏‏

لمن فيروز ? لمن وديع الصافي ? لمن جبران خليل جبران ? لمن بشارة الخوري والياس أبوشبكة و سعيد عقل القائل :‏‏

شآم أهلوكِ أحبابي وموعدُنا‏

أواخرَ الصيف آنَ الكرم يُعتَصرُ‏‏

وتتضاءل أمتك المهيضة , ويتضاءل أبناؤها الساجون . ويتعملق جلادوها ويتوثّبون , وتتذكر قول الشاعر العباسي :‏‏

عصفورةٌ في يَدَيْ طفل يعذِّبُها‏

تقاسي عذابَ الموتِ والطفلُ يلعبُ‏‏

فلا الطفلُ ذو عقلٍ يرقّ لحالها‏

ولا الطيرُ مطلوقَ الجناحين يهربُ‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية