تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في الذكرى التاسعة والعشرين لانتفاضة شباط...«الوثيقة الوطنية».. دستور عمل وطني جسدته انتفاضة شباط

الجولان في القلب
الأثنين 14-2-2011م
د. إبراهيم العلي*

لم تكن انتفاضة الرابع عشر من شباط 1982 والتي جاءت كرد فعل مباشر على قرار الكنيست الإسرائيلي الرامي لفرض ما يسمى (قانون ضم الجولان) وحيدة.. ولم يكن الشهيد (عزت أبو جبل) الأول.. ولم تكن الشهيدة غالية فرحات الأخيرة..

فالجولان السوري المحتل جرح نازف بدأ مع الساعات الأولى للاحتلال الصهيوني الغاشم ولا يزال رغم القرارات الدولية لمجلس الأمن والجمعية العمومية ونداءات المنظمات الإنسانية المطالبة لإعادته إلى وطنه الأم سورية.‏

إن أطماع الكيان الصهيوني بالجولان تعود إلى ما قبل قيام الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة عام 1948 والوثائق والدلائل تشير إلى أن هذه الأطماع ذات جذور عميقة.. رسم الإرهابي (بن غوريون) الذي أصبح أول رئيس وزراء للعدو تصوره لحدود كيانه المزعوم عام 1918 على الشكل التالي: (تضم النقب برمته ما يسمى يهودا والسامرة، إضافة إلى الجليل وسنجق حوران وسنجق الكرك ومعان والعقبة وجزء من سنجق دمشق - أقضية القنيطرة).‏

كما جاء في المذكرة التي تقدمت بها (المنظمة الصهيونية العالمية) إلى المجلس الأعلى لمؤتمر السلام في باريس عام 1919 ما يؤكد حقيقة الحقد الدفين الذي يضمره زعماء العصابات الإسرائيلية لأراضينا العربية ومما ورد بالمذكرة: (جبل الشيخ هو أبو المياه الحقيقي بالنسبة لفلسطين ولايمكن فصله عنها من دون إنزال ضربة جذرية بحياتها فيجب أن يبقى تحت سيطرة أولئك الذين هم أكثر رغبة وأقدر على إعادته إلى نفحة الأقصى).‏

في حزيران 1967 تعرضت المنطقة العربية للعدوان الصهيوني السافر فاحتلت المحافظة وطردت وهجرت السكان العرب بالقوة وأرغمتهم على النزوح بعد تدميرها تدميراً شاملاً وأقامت على أنقاضها مستوطنات، ولم يبق من أبناء الجولان والبالغ عددهم آنذاك 154 ألف مواطن إلا ستة عشر ألف نسمة في خمس قرى نتيجة تدخل قوات الأمم المتحدة وهي: (مجدل شمس - بقعاثا- عين قنية - مسعدة - الغجر) وعمد (الكيان الإسرائيلي) لتغيير المناهج العربية السورية في المدارس ووضع مكانها المناهج الصهيونية ووضعت شروط تعجيزية أمام دخول الطلاب السوريين إلى الجامعات العربية في فلسطين المحتلة.‏

بالمحصلة كان قرار الكنيست الصهيوني في الرابع عشر من كانون الأول لعام 1981 والذي يقضي بتطبيق إجراءات فرض (قوانين الاحتلال) على الجولان بمنزلة الشعرة التي قصمت ظهر البعير حيث انتفض أهلنا ضد هذه الإجراءات التعسفية مؤكدين عروبة الجولان أرضاً وشعباً وأنهم جزء لا يتجزأ من الوطن الأم سورية.‏

إن أهلنا الأبطال في الجولان الصامد تصدوا للاحتلال الصهيوني البغيض مؤكدين تمرسهم بمكافحة الإجراءات الصهيونية وعدم تمريرها مستندين إلى الموقف الوطني والقومي الريادي لسورية الأسد التي لم تبخل يوماً بتقديم الدعم اللامحدود للأهل هناك حيث سجون الاحتلال ومعتقلاته التي غصت بهم بعدما تلاحقت حملات الاعتقال ووصلت ذروتها عام 1974 عندما احتفلت قرى الجولان كسائر الوطن في يوم تحرير مدينة القنيطرة ورفع العلم السوري في سمائها من قبل القائد الخالد حافظ الأسد، وفي كانون ثاني 1979 شهدت مجدل شمس مهرجاناً احتجاجياً حاشداً لأبناء الجولان تعاهدوا فيه على عدم التنازل عن هويتهم العربية السورية مع أنباء عن نية حكومة العدو إصدار قرار فرض القوانين الإسرائيلية على الجولان فسارع الأهل إلى الاستعداد التام لإحباط هذا المسعى الصهيوني الخبيث فأصدروا في 25 آذار 1981 عهدهم الوطني الشهير وأطلقوا عليه (الوثيقة الوطنية) ومن أبرز بنودها - الجولان جزء لا يتجزأ من الأرض العربية السورية- أراضينا ملكية مقدسة لأبنائنا - لابديل عن الهوية السورية (المنية ولا الهوية الإسرائيلية) الجنسية العربية ملازمة لنا لا تزول وتنتقل إلى أبنائنا.‏

مع إجماع أبناء الجولان على هذه الوثيقة التاريخية والالتزام بحرفيتها صارت دستور عمل وطنياً كما جسدتها انتفاضة شباط والإضراب الوطني الكبير عام 1982 وغداة اتخاذ الكنيست الصهيوني قراره المشؤوم في 14/12/1981 بادر أهلنا في الجولان للتصدي لهذا القرار وسط انتفاضة عارمة تعالت فيها أناشيدهم الوطنية (الجولان عربي سوري نموت ولا نقبل قرار الضم) مستندين بنضالهم المشروع إلى الموقف النضالي لوطنهم الأم سورية التي أعلنت مباشرة رفضها للقرار المزعوم كونه باطلاً وغير شرعي ويعد خرقاً صارخاً للقانون الدولي، ثم جاء قرار مجلس الأمن رقم 497 ليؤكد رفض العالم بأكمله للمشروع الصهيوني وذلك في 17/12/1981 أي بعد ثلاثة أيام.‏

وبدأ الإضراب الوطني الكبير في الرابع عشر من شباط عام 1982 والذي استمر طيلة ستة أشهر وبضعة أيام وكان ملحمة بطولية من الكفاح والصمود والتمسك بالموقف الوطني وهو الإضراب الأطول في تاريخ سورية النضالي ضد المحتلين والمستعمرين حيث أصدر مواطنونا في الجولان بياناً يشرح أسباب الإضراب وأعلنوه في (الوثيقة الوطنية) وفي معركة الهوية بتاريخ 31/3/1982 وزعت سلطات الاحتلال بالقوة الهوية الإسرائيلية على المواطنين السوريين فرفضوها مباشرة ومزقوها ورموها تحت أقدامهم وقد خاطبهم القائد الخالد حافظ الأسد يومذاك قائلاً: (أهلنا في الجولان المحتل هؤلاء السوريون الأبطال هؤلاء العرب الأبطال الذين يخوضون معركة الشرف هذه الأيام، أهلنا هؤلاء يخوضون معركة الشرف وهم عزل من كل سلاح إلا حبهم لهذا الشعب، إلا انتماؤهم لهذا الوطن).‏

وقفت سورية الأسد موقفها المبدئي والثابت إلى جانب نضال أبناء الجولان، حيث قامت بدعمهم فانتصرت الإرادة الوطنية بفضل الصمود البطولي، وتم إخراج شمعون بيريز من مجدل شمس في 25 شباط 1985 تحت ضغط المظاهرات العارمة وكان رئيساً لوزراء العدو آنذاك، وسقط العديد من الشهداء وهم يذودون عن حماه ويدافعون عن حياضه.‏

ولابد للإشارة إلى الرعاية الكبيرة والاهتمام اللامحدود الذي توليه قيادتنا السياسية للجولان وأبنائه وعلى رأسهم السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد من خلال تعليم أبناء الجولان في جامعات ومعاهد القطر مجاناً مع منحهم رواتب شهرية وإعانات دورية، وتعويض المعلمين المسرحين في الجولان بالرواتب ووقوف سورية الأسد مع الأسرى والمعتقلين في زنزانات العدو والضغط على قوات الاحتلال الإسرائيلي للإفراج عنهم.‏

*الأمين العام للهيئة الشعبية لتحرير الجولان‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية