|
آراء ومن هنا، يؤسس جنيف2 لظاهرة غاية في الخطورة ولمدرسة جديدة وخبيثة في القانون الدولي والعلاقات البينية بين الأمم، لايمكن تجاوزها ولا غض الطرف عنها. فالكل يجمع اليوم على أن ما يحصل في سوريا هو أكبر عمل إرهابي في التاريخ، تشارك فيه وتموّله وتشرف عليه وتديره قوى إقليمية ودولية كبرى، أعطوه اسم «الثورة السورية». هذا العمل الإرهابي وبغض النظر عن غايته التدميرية القصوى، له هدف استراتيجي وسياسي آخر، وهو القبض على القرار السوري ووضع سورية بتصرف منظومة دولية بعينها، وتنصيب مجموعة من «الكرازايات» والدمى و»الروبوتات» المبرمجة سياسياً، والمفبركة والمصنـّعة والمـُعدّة في الغرب، حصرياً، في دوائر معروفة، ومشبوهة وتسليمها القرار والمصير والمستقبل السوري. ولا بد من التذكير بأن جنرالات وضباطاً وجنوداً ورجال استخبارات أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وسعوديين وأتراك وخلايجة وأردنيين وعرب ومرتزقة آخرين يشاركون في العدوان على سورية (الثورة) إلى جانب جماعات ذات هوية وأجندة إرهابية واضحة، وهذا يعني، عملياً، أن التفاوض سيكون مع هؤلاء المعتدين، أصالةً أو وكالةً. ولقد حاولت هذه الجهات والقوى الدولية والإقليمية، وعبر إرهاب ممنهج، ورفده بعشرات آلاف المرتزقة، وعبر إعلامها الأخطبوطي، رسم صورة أحادية ودموية عما يجري في سوريا، تحمـّل من خلاله طرفاً واحداً مسؤولية كل ما يجري من قتل وخراب ودمار. كما لم تقم هذه الجهات الدولية بإدانة وشجب واستنكار عملية إرهابية واحدة من آلاف العمليات التي حصلت في سورية، لأن ذلك لا يخدم إستراتيجيتها وأهدافها على المدى البعيد. والسابقة الأخطر في مدرسة جنيف تقول وتؤسس، إلى أن من يملك المال النفطي والإعلام الذي يستطيع من خلاله إيصال رؤاه اليتيمة، ويتمكن من تجنيد المرتزقة والإرهابيين (الثوار)، وتجييش البشر وإرسال القتلة والمجرمين وإحداث الفوضى وضرب استقرار البلدان «الثورات»، له الحق في التدخل في دول الغير والمجتمعات الأخرى وسيكون له الكلمة العليا في إدارة شؤونها وتنصيب «أزلامه الجربانة» هنا وهناك وفرض رؤاه ومزاجه وثقافته الرثة والمنحطة وسلوكه الشاذ على الآخرين، وكله عبر «مؤتمرات» دولية وأممية «شرعية» مشبوهة كحنيف. هذه انزياحات خطيرة وسوابق مفجعة وكارثية على المدى البعيد في العالم. فمن يمثــّل هؤلاء الإرهابيين، ويهلل لهم، وينطق باسمهم ويغطي على جرائمهم، ويعتبرهم «ثواراً»، وأبطالاً، هو من سيذهب لجنيف، وهو من سيقرر مستقبل ومصير الشعب السوري، أي أن هناك اعترافاً رسمياً دولياً بالإرهاب والإرهابيين الدوليين، والتفاوض معهم، ومحاولة إشراكهم في «حكومات انتقالية» تتولى شؤون بلد حر ومستقل وذي سيادة وعضو في الأمم المتحدة. وهذه سابقة أخرى خطيرة جداً في الأمم المتحدة، توحي بانهيار القانون الدولي وأخلاقيات ومبادئ العلاقات بين الشعوب. وسنكون هنا أمام عملية ابتزاز ومقايضة كبرى، ومكافأة ثمينة للإرهاب، يحقق من خلالها ما يصبو إليه بإيصاله لحكم بلد ما، في الوقت الذي يوجد فيه قرار دولي وعرف عام برفض الانصياع لـ، والتفاوض مع الإرهاب والإرهابيين. وبهذا المنطق، فلسان حال المجموعة الدولية الداعمة للإرهاب، «أصدقاء سورية»، يقول: «إما الموافقة على منطق جنيف وقبول مرشحينا وممثلينا، وإشراكهم في قرار ومستقبل سورية، وإما استمرار تدفق المرتزقة والقتلة والإرهابيين (الثوار) لسورية»، وكان هذا، في الحقيقة، وبهذا الوضوح فحوى أكثر من رسالة وتصريح، نــُقل عن روبرت فورد، السفير الأمريكي في سورية. وبغض النظر عن الضرورات الوطنية المـُلحـّة للتغيير الذي بات حاجة عضوية ووجودية للوطن أكثر من كونه قضية مطلبية، وهذه مسألة أخرى، مختلفة، تماماً، فهذا ما يظهر ويلوح من نوايا، ورسائل وأهداف جنيف، وهذا ما تؤسس له الولايات المتحدة، وحلفاؤها، عبر استخدام الإرهاب الدولي (الثورة السورية)، في «السلبطة»، و»البلطجة»، والابتزاز لتنصيب العملاء والجواسيس والأتباع (الحكومات الانتقالية) على رأس المجتمعات الآمنة والعبث باستقرارها وأمانها وتغيير هوياتها وسياساتها، ووضعها تحت القرار والتصرف الأمريكي وعملائه ووكلائه الإقليميين. فهل ستسمح سورية، وأصدقاؤها الحقيقيون، بتمرير منطق جنيف بهذا المنظور، وتشرعن العدوان، والإرهاب، والابتزاز الأمريكي الصهيو-وهابي السافر والصارخ؟ لننتظر ونرى . |
|