تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل الوقت نبكي بين يديه.. الوطن على كتف من سيبكي؟!

آراء
الخميس 16-1-2014
 حسين عبد الكريم

سؤال رئيسي في مذاكرة أساسية جداً: الوطن يتحملنا بالحزن والفرح.. وهو إن فكر بالأسى فهل سنتحمله؟!

في جميع الأحوال البكاء الأصيل (جردة حساب) بال..‏

وليست (شرشحة) وجدانية وتعباً أخلاقياً وتأنيب ضمير.. التأنيب يأتي تعبيراً عن وضاعة حضور هشٍّ وعن غياب الحب.. في حضرة الحب لا توجد ندامة كسيحة أو براءة اختراع ذل ومهانات.. الأحباب جدار استنادي ضد الهوان والانحطاط الشعوري.. وعواطف مجازية وواقعية والحمد لله على السلامة والحب المؤبد..‏

الأحباب تحيات عقلية وروحية باذخة وسامقة كأشجار الحارات العتيقة وغابات المطر.. تحيات بلا تلوث، وقناعات بحجمها البسيط والطبيعي والكبير...‏

في أصعب الحالات يحسن بنا السؤال: كيف قلبك وكيف حبك؟! وختامها مسك المسك: كيف الوطن؟!؟‏

البكاء بين يدي الأعزاء أجمل العزاء، هذه مقولة الفقراء أمام البلاء.. فما بالنا حين يكون الحزن بين يدي الوطن وليس أي وطن؟!؟ وطن -رغم القسوة والقلة- يُربي البقاء والكرامات كما تربي الكروم عناقيدها وثمار الأيام وطن نبكي على كتفه عندما يقل نثر الشوق، وعندما تنقطع الاتصالات والصلات بيننا وبين قلوبنا، وعند تحصل التواصلات..‏

ونبكي عند قلبه عندما (يعطبنا) الشقاء أو يُشتتنا البقاء أو يعادينا اللقاء..‏

يتحمَّل كلَّ فراقاتنا و(قلاقلنا) وعقدنا ونقصنا وعيوبنا وأحاديثنا المهترئة.. ويتحمل الدموع والأشواق الفقيرة.. ويتحمل الفقر من أجل الفقراء.. والانتظار من أجل الأوفياء.. والسذاجة من أجل الأغبياء.. ويتحمل بروق السماء من أجل الشهداء والقديسين والأنبياء.. ويتحمل أكثر من أكثر (العتالين) دون أن يتذمر أو يشتكي أو يحكي لأحد عن ضائقاته ومضايقات (الزعران والمتأمرين) له؟!‏

وطن مجتهد بالتحمل وصبور وعظيم الهندام والهيئة والقدر والقد والبهاء رغم كل الوجع والطعنات والخدائع المسمومة!!‏

السؤال: هذا الوطن الذي يتحمل كل بكائنا وحروف جرنا وبطالتنا الفكرية والعقلية والوجدانية.. حين يحزن أو يتعب أو يشعر بالشقاء والكوابيس على كتف من سيضع رأسه ودموعه.. بين يدي من سيبكي لو سمح لنفسه بالبكاء؟!‏

ولو فكر بالغفو لبضعة أشواق أو أنات، عند أي قلب سيشعر بسعادة النعاس؟!‏

الوطن لا ينام ولا يشعر بالضجر ولا يحتاج من أحد أفكاراً أو مع الشكر والتقدير إلاّ في سياق الحب والثقة بالنفس والكرامة..‏

واثق بعهوده وأحبابه وأبنائه وبناته في عزِّ الظهيرة وفي الليل والنهار.. ولا يباغت فصلاً من فصوله باليأس، مهما اشتد عليه اليباس.. ولو يفعلها الوطن يوماً ويفكر باليأس؟! ماذا سيصيب دورة دم الأرض والأمطار والنجوم والسماء والبساتين والضفاف والأنهار؟!‏

لو خطر على باله أن يأخذ جرعة كبيرة من حزن مغشوش، ماذا كان سيحصل للأطفال وللأحلام وللناس الفقراء وللأغنياء وللمحبين وللأشقياء وللأبرياء وللأنقياء وللضالين أيضاً وللأتقياء..‏

الوطن حنون وحميم مع الفرد والجماعة والمشرد والعائلة والضعيف والبطل إنه برسم حبِّه الكبير ويتحمل كامل الشقاوات..‏

من جميع أطفاله وكباره وعشاقه ورجاله ونسائه.. ولا يطالب أحداً أو إحدى بتعويض نهاية خدمة لأنه أبدي كالحب.. ولا يرجو من جميلة ضحكة أو غمزة.. ولا من جائع تكشيرة جوع ومن غني رغيف نعمة..‏

حزين إلى آخر الدموع ولا ينتظر مدّ يد العون من دامع.. وجميل إلى أقصى درجات الرحمة والرأفة والجمال ولا يجهل على أحد ولا يبطر..‏

لكننا رغم عفتك وعزتك وتعاليك على الحاجات.. سنظل نحتاجك نبكي بين يديك ونستعير من قلبك الصبر والفرح والحياة.. وسنضع كل بكائنا وقهرنا ورؤوسنا وعقولنا وقلوبنا على كتفك مع خالص المودة..!!؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية