|
شؤون سياسية عن مطلبه المنطقي الوحيد إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 بدت وكأنها في سباق مع الزمن لاحتواء وتجيير تطورات الشرق الأوسط الدراماتيكية لمصلحتها وعدم السماح بتغيير كبير وجذري في الدول التي كانت محكومة من «أنظمة صديقة» لها كمصر وتونس واجراء فصل تعسفي و «فك ارتباط» بين المطالب الديمقراطية -الاجتماعية والحقوق الوطنية والقومية لشعوب هذه الدول وذلك مقابل تصعيد الضغوط المتعددة الأشكال والألوان على بعض الدول والأنظمة «المارقة» أو «شبه المارقة» وفق تصنيف واشنطن كسورية وايران اللتين تعمل ماكينة سياسية ودبلوماسية واعلامية ضخمة على «شيطنة» نظاميهما تمهيداً لخطوات أخرى عند تبدل الموازين ونضج الظروف. ماجرى استخدامه من «عدة شغل» تؤطر الشعارات الكبيرة المتعلقة بدعم ما يسم» «الديمقراطيات الناشئة» ودعوة الحكومات العربية (والضغط عليها) لتحقيق اصلاحات دستورية واقتصادية تحفظ استمراريتها وتضمن بقاء المصالح الأميركية فيها يتمحور حول بعض الرشى الاقتصادية الهزيلة التي لايتوقع أن تحجب أو تغطي على حقيقة أن الاحتجاجات والثورات كانت في جوهرها نتاج التهميش الذي خلفه الارتباط بالنمط الرأسمالي في مرحلة سيطرة الطغم المالية المعولمة والالتزام بوصايا واملاءات المؤسسات المالية الدولية من نمط البنك الدولي وصندوق النقد الدوليين إذ لم تكد الجماهير التونسية والمصرية تكنس الرئيسين المقربين من الأميركيين والإسرائيليين حتى سارع الرئيس أوباما إلى تقديم وعد بحزمة من شطب الديون والضمانات لمصر بقيمة ملياري دولار تبعته السعودية والاتحاد الأوروبي وكذلك البنك بتقديم المساعدات وصلت إلى عدة مليارات من الدولارات. ولعل من الضروري التذكير بأن الإدارات الأميركية المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية حافظت طوال العقود الماضية على رزمة أهدافها الاستراتيجية شبه الثابتة في المنطقة العربية وذلك من خلال اعتماد عدة وسائل وأساليب وآليات من بينها توفير الدعم لنظم سياسية تؤيد السياسات الأميركية بصرف النظر عن مدى شرعية هذه الأنظمة أو مستوى شعبيتها وتشير وثيقة «استراتيجية الأمن القومي» تحت عنوان «تدعيم السلام والأمن والتعاون في الشرق الأوسط الكبير» إلى أن من بين هذه الأهداف التعاون الواسع في العديد من القضايا مع الحليف القريب «اسرائيل» وتأكيد الالتزام غير المحدود تجاه أمنها استمرار تدفق النفط، العمل على حل صراع الشرق الأوسط بما يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة بجوار «اسرائيل» التعاون في مواجهة الإرهاب ودفع ايران بعيداً عن السعي لاقتناء أسلحة نووية ودعم الإرهاب الدولي. ومع أن ثمة جدلاً جارياً عن علاقة مفترضة للولايات المتحدة باندلاع وتطور هذه الثورات التي لم تصل إلى نهايتها المأمولة في كل من تونس ومصر وتحولت إلى بوابة للفتن الطائفية والعسكرة والتدخل الخارجي والتقسيم في بلدان أخرى وذلك بالاستناد إلى جملة معطيات من بينها نشر صحيفة «نيويورك تايمز» مقال لمارك اندلر كشف فيه عن وجود «تقرير سري» طلب الرئيس أوباما اعداده عن أوجه الاضطراب في العالم العربي وخلص إلى أنه «دون اجراء تغييرات سياسية عميقة» فإن الأوضاع في بلدان عربية تسير نحو ثورات شعبية كبيرة والثابت في هذا المجال هو اندراج تحركات واشنطن على كل المستويات في مجرى الحفاظ على مصالحها حتى وإن تحقق على حساب الرؤساء وبعض النخب المافياوية مايرجح مساهمتها في تكريس نظم جديدة تحافظ على التكوين الاقتصادي القائم وعلى السياسات والاتفاقات السابقة. غير أن المفارقة التي تطفو على سطح الحراك الأميركي الهادف إلى «ضبط» سياسات وقوى الاحتجاج في الشارع العربي وتوجيهها نحو مربع مشروع الشرق الأوسط الكبير هي أن معظم الأسس المادية التي فجرت حركة الاحتجاجات العربية لها مايماثلها في الدولة الأقوى في العالم، الولايات المتحدة التي يقول أحد أشهر الاقتصاديين في الغرب «جوزيف ستيغليتز» إن 1 في المئة فقط من سكانها يحصل على ربع دخل الأمة الأميركية وكما هو الحال في مصر وتونس والعديد من الدول العربية فإن التفاوت الواسع في الدخول أفضى إلى توفير فرص أقل للعمل والإبداع والتقدم كما قاد إلى انخفاض الاهتمام بقطاع الخدمات العامة وتدني الانفاق على التعليم العام والرعاية الصحية وسواها فضلاً عن تراجع نفوذ نقابات العمال التي لم تعد تمثل سوى 12 في المئة من العمال الأميركيين بعد أن كانت تمثل 33 في المئة منهم. وكما هو الحال دائماً لدى المفتونين بالنموذج الأميركي يمكن توسل كم من الحيثيات والمعطيات التي تجعل من مقارنة الأوضاع العربية التي قادت إلى الاحتجاج بما يعتمل في مفاصل وشرايين الحواضن الاقتصادية والاجتماعية الأميركية مجرد عصف فكري مفتعل إلا أنه عندما تصل «اللامساواة» إلى هذا المستوى ويتربع 1 في المئة من السكان على عرش الثروة فإن ثمة اشكالية نوعية مستوطنة يصعب تجاهل تداعياتها المحتملة في المستقبل ولاسيما في ظل انخفاظ منسوب القيم الديمقراطية وتمسك السلطتين التنفيذية والتشريعية بحزمة القوانين المناهضة للديمقراطية وحقوق الإنسان التي اتخذت في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن وآخرها تصديق الكونغرس على تمديد العمل حتى عام 2015 بقانون الأمن الوطني «باتريوت آكت» سيئ الصيت وكذلك خضوع السياسة الخارجية وعلى نحو متنام لاعتبارات مصالح الأغنياء أولاً، وتهتك الهوية الوطنية التي لايمكن الحفاظ على تماسكها ومناعتها إلا في إطار مجتمع عادل وفرص متساوية وروح جماعية. |
|