|
شباب فيشعر الأهل حينها أنهم أدوا أمانتهم وأراحوا ضمائرهم، ولئن كان التحدّي الأول بيد الأبناء أنفسهم من خلال جدّهم واجتهادهم ومثابرتهم بمواكبة الأهل الذين يوفرون لهم الأجواء المثالية للدراسة فإن التحدّي الثاني أكثر عرضةً للمؤثرات الخارجية سواء ما يتعلق منها بسياسات الدولة في مجال تشغيل الشباب أو مزاجية القطاع الخاص في هذه المسألة أو بالمبادرات الذاتية للخريجين أنفسهم إلى غير ذلك من الأمور ذات الصلة.. في الإطار ذاته أقام اتحاد الصحفيين بالتعاون مع فرع جامعة تشرين في طرطوس ندوة حوارية بعنوان “تقييم آليات التشغيل في الجهات العامة وبرنامج تشغيل الشباب” وإذ نعود إلى هذه الندوة التي أقيمت قبل نحو أسبوع من الآن فإنما نفعل ذلك للوقوف عند بعض المحاور التي أتت عليها أو تلك التي تركت متعها عشرات الأسئلة لأن الغموض أو إخضاع الأشياء للتفسيرات اللاحقة لا يقدّم بقدر ما يؤخّر.. في الندوة المشار إليها أعلاه وردت عبارات لافتة على ألسنة المتحدثين سنقف عند بعضها بشيء من التوضيح والتفصيل، ولا أقتصر فيما سيأتي على رأيي الشخصي وإنما أخلط فيه عصارة ما تمّ تداوله من قبل كثيرين في هذه الندوة.. الشباب المنتــــــــج “.. يجب على الحكومات أن تحرص على الاستفادة القصوى من طاقات الشباب كي لا يتحول الشباب من عناصر منتجة تخدم المجتمع إلى عناصر هدّامة تدمّر كل ما يقف في طريقها..”. الفقرة السابقة وردت على لسان محاضر في تلك الندوة وإن كان اجتثاثها من كليّة المحاضرة قد يضعفها إلا إن فيها ما يستحقّ التوقّف عنده.. الطلب نكرره دائماً عندما نتحدث عن الشباب لكن ما نتمناه فعلاً هو أن يكون حرص الحكومات على الاستفادة من طاقات الشباب في إطار العملية التنموية الصحيحة وأن تكون فرص العمل التي توفَّر لهم تصبّ في الاتجاه ذاته لا أن يكون مردّ هذا الحرص هو التقليل من “نقّ” الناس وضغطهم على الحكومات فتتحول فرصة العمل إلى ما يشبه السلة الغذائية من إحدى الجمعيات الخيرية لمحتاج.. هناك أكثر من طريقة لمساعدة الشباب العاطل عن العمل وقد سبق أن طرحنا اقتراحاً يقضي بتشكيل صندوق لدعم الخريجين الجامعيين وهناك الكثير غيره من الاقتراحات لكن أن تكون “المساعدة” على حساب العمل كما هي الآن في معظم الوظائف الحكومية فهذا يضرّ بالاتجاهين، صحيح أن من حصل على فرصة عمل سيقبض راتبه أول كل شهر ولكن خلال سنة قد ينسى كل ما اكتسبه من معارف دراسية إن لم يكن في المكان المناسب وبالوقت نفسه قد لا يقدّم أي خدمة مقابل الراتب وفي هذا عبء كبير على الدولة علاوة عن إساءته للنظرة العامة على الكثير من جوانب العمل في القطاع العام. إن بقيت “الوظيفة العامة” بهذا الشكل فلن تكون إلا “سلات مساعدة” مهما سُميت ولا تدخل على الإطلاق تحت شعار “الاستثمار في البشر”. برنامج تشغيل الشباب هناك خلط من حيث الفهم لهذا البرنامج، فالقسم الأكبر من الشباب أنفسهم يعتقدون أن البرنامج هو عبارة عن فرصة عمل دائمة والحقيقة هو عبارة عن مرحلة تدريب مأجورة يتمّ من خلالها وعلى مدى خمس سنوات إعداد الشباب وتعليمهم مهارات العمل ليدخلوا سوق العمل بكفاءة أكبر.. قد تستطيع أن تدلّ على أذنك بإصبعك بطريق لا يتجاوز العشرة سنتيمترات وقد تفعل ذلك بالتفافة كاملة حول الرأس، ونعتقد أن الحكومة اختارت الطريقة الثانية.. أولاً: ما فهمته الجهات العامة من هذا البرنامج هو أنه أتاح لها توظيف عدد من الشباب على حسب حاجتها دون أن يتأثرّ ملاكها، ولكنها نست أو تناست أنها ستتخلى عنهم بعد خمس سنوات وأنها قد تدربّهم في اتجاه وقد تكون فرصة عملهم الحقيقية والدائمة في اتجاه آخر، والأصحّ لو أن الحكومة طلبت من الجهات العامة توظيف ما تحتاجه من الشباب بصفة دائمة وتخصيص سنتين أو ثلاث من حياتهم الوظيفية للتدرب والتعليم، ثمّ أن أياً من المنضوين تحت هذا البرنامج قد يخرجون منه حين تتاح لهم فرصة عمل حقيقية ولو لم ينقضِ من خضوعهم لهذا البرنامج سوى أشهر قليلة! ما فهمناه من كل هذا السيناريو الغريب هو فقط تمويل البرنامج من باب الإنفاق الاستثماري! الكـــــــلام الجــــــــاد ما بين الوظائف العامة وآليات التشغيل والتعيين فيها وبين برنامج تشغيل الشباب وما يعلق به من أحلام أو تهتزّ على وقعه مخاوف فإن معظم الكلام الجدّ وخاصة ما يتعلّق منه بالخريجين قد سار باتجاه تسجيل شهادات التخرّج بتاريخها ومعدلاتها في وزارة العمل وأن تخاطب جميع الجهات العامة وزارة العمل عندما تريد موظفين وبشكل مؤتمت وفق القدم أولاً ووفق المعدّل ثانياً وهكذا ترشّح العدد المطلوب لهذه الجهة أو تلك. هذه الطريقة هي الأكثر عدلاً والأكثر استجابة مع المنطق وما على الراغب بالحصول على فرصة عمل إلا تثبيت تخرجّه لدى وزارة العمل أو أي جهة تخصصها لهذه الغاية وعندما يأتي دوره بالإمكان إخضاعه ضمن المكان الذي سيعمل فيه إلى دورة تأهيل... |
|