|
شباب الإعلام سلاح ذو حدين.. ومن خلال ما يسمى بالسلطة الرمزية أو من خلال الإعلام الموجه تمكن الغرب من تكوين نخبة متشبعة بقيمه ومبادئه في الأجيال السابقة وأصبحت تتحكم في كثير من مواقع النفوذ والتأثير في بلادنا وعلى رأسها السلطة الإعلامية التي آتت ثمارها في واقع الشباب على طول رقعة الوطن العربي. وتقول دراسة للـ يونيسيف إن الشباب المراهق يقبل على المسلسلات الأجنبية والرياضة. وتقول: إن أكثر البرامج التي تلاقي استحسان المراهقين هي الأفلام والمسلسلات وبرامج المنوعات والفيديو كليب، تليها بعض البرامج الأخرى. وهم نادراً ما يشاهدون النشرات الإخبارية أو أية برامج دينية معتدلة أو ثقافية جادة. ماذا قدمت فضائياتنا لقضايا الشباب؟ إن نظرة فاحصة إلى فضائياتنا العربية ومدى الحيز الذي تحتله قضايا الشباب فيها يصيب الغيورين بخيبة أمل فنظرة هذه المحطات الى قضايا الشباب نظرة استهلاكية وسطحية لا تتصور قضايا الشباب- في أغلب طروحاتها- خارج الموسيقا والرقص والفن والرياضة وما شابه ذلك وبرامج تلفزيون الواقع تشهد بذلك وليس «ستار أكاديمي » وحده الذي يغرد نشازا في هذا المضمار وإنما هي حلقة في سلسلة يمكن أن تكون مفرغة أي لا نهاية لها تتعامل مع الشباب وعقولهم وتنظر إليهم تلك النظرة الاستهلاكية.. بينما الحقيقة أن للشباب قضايا حقيقية غائبة عن اهتمامات تلك الفضائيات. ففي الوقت الذي تصر فيه هذه الفضائيات على تسفيه عقول الشباب بما تقدمه لهم من برامج استهلاكية تافهة أثبت كثير من الشباب نضجه وأنه على درجة كبيرة من الوعي وقد عاش غسان بن جدو تجربة مفيدة في لقاء بين شباب عراقي وأميركي أثبت خلالها الشباب العراقي تقدمه المعرفي والثقافي وأنه على درجة عالية من النضج والفهم والمسؤولية. نظرة مستوردة يجب أن تعطي الفضائيات قضايا الشباب اهتماما حقيقيا ومن الإجحاف أن تكون نظرة الفضائيات لفتياتنا هي نفس نظرة الغرب لبناته ونسائه ، فالتعامل مع المرأة على أنها سلعة أو جسد أو كمادة ملازمة للاعلان- كما هو واقع فضائياتنا- إنما هي نظرة مستوردة من الغرب بعيدة عن تراثنا كل البعد فالمرأة عندنا محترمة مكرمة مصانة وتعامل إعلامنا معها بالنظرة الغربية هو إهانة لها قبل أن يكون خرقاً للدين والقيم وقبل أن يكون مسخاً للعقل المتلقي من شبابنا وفتياتنا بحيث يصبح النموذج المحتذى لدى فتياتنا فقط نموذجاً لموديل شهير ومثير أو مسخاً لراقصة أو ممثلة مشهورة في ظل غياب تقديم القدرات الصالحة. طرح سطحي وتجاهل تكاد تجمع الآراء على تجاهل الفضائيات للقضايا الحقيقية للشباب خصوصاً التي لها علاقة بنظم الحكم كمشكلات البطالة على سبيل المثال والتضخم الذي يؤدي إلى تأخير سن الزواج في الوقت الذي يعرض أمامه مغريات الحياة ويطالبه في الوقت ذاته بالصبر أمامها والبعد عنها وعدم الوصول إليها.. وكذلك معالجة القصور في الحضور الشبابي في كافة الأصعدة السياسية المؤثرة وهذا القصور يزيد عناءه ومعاناته وسخطه وتمرده وشعوره بأن الواقع ظلمه وحال بينه وبين حقوقه في متع الحياة فيولد هذا الشعور الاضطراب النفسي والقلق والتوتر والاكتئاب والإحباط.. وقد يعيش الشاب حالة من التناقض الصارخ والصراع الداخلي والانفصام في محاولته الفاشلة للتوفيق بين شهواته ومتعه وبين قيمه الدينية والأخلاقية وقد يعمد إلى التلفيق لتبرير تصرفاته المسيئة للمجتمع، وينزلق أكثر فأكثر إلى طريق الخطيئة ويغرق في عواصف الحياة التي قد تورده المهالك. كما وأن تجاهل مثل هذه القضايا الملحة يصيب الشباب بالإحباط المؤدي لعدم المبالاة أو إلى الكبت الذي يؤدي إلى الانفجار أو الانخراط في أعمال مردودها سيىء على الشباب نفسه وربما على البلد. فإذا ما طرحت الفضائيات بعض القضايا فإنها تطرحها غالباً طرحاً مبسطاً جداً هو أقرب للسطحية مع غياب المعالجة المباشرة والواضحة للجوانب الأساسية للقضية المطروحة وهو ما يجعلها على حالها كأنها لم تطرح أصلا. إن قيام مذيعة من الطراز القديم باستضافة محاورين من الجيل الماضي للحديث عن مشكلات الشباب أمر غير واقعي وغير مفيد، وإنما ينبغي أن يعرض مشكلات الشباب من يعيشها ويعرفها ويحس بأحاسيس أصحابها ليكون العرض واقعيا والطرح صادقا والعلاج مفيدا وناجعا كما وأن الأسلوب الوعظي والإرشادي والخطاب التخويفي لا يجد صدى عند أكثر الشباب كما يقول أحد المراهقين : نريد برنامجا يخاطب المراهقين الطبيعيين، نفتقد برنامجاً يخاطب حاجاتنا الحقيقية وليس تلك التي يحددها التلفزيون ويقول آخر عن البرنامج هم جالسون طوال الوقت ولا هم لهم إلا الوعظ وتعبر شابة 18 عاماً عن رغبتها في أن ترى برنامجاً يخاطب قضايا الشباب الواقعية على أن يقدمه شاب أو شابة. فالشباب يودون مخاطبتهم باعتبارهم شباباً وليسوا مراهقين أو أطفالاً ويفضلون أن تكون البرامج على الهواء وليست مسجلة وطالب عدد كبير منهم باستضافة الآباء والأمهات والمعلمين ليستمعوا إلى وجهات نظر الشباب وشكواهم مباشرة من أفواههم. وختاما نقول: إن هذه الظاهرة تدعونا جميعا إلى التأمل والمراجعة وإعادة النظر فيما تبثه تلك الفضائيات حى لا تكون العاقبة في النهاية هي الخلل والإخفاق. ونتساءل هاهنا: إلى أي حد نتوقع من جيل يعامل هذه المعاملة أن يسهم في مشروع الإصلاح والبناء المنوط به؟ وهل مثل هؤلاء على مستوى التحديات التي تواجه الأمة اليوم؟! |
|