تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في سبيلك يا أمي

شباب
21 / 3 / 2011
زينة جهاد حسين

على صوت قطرات الغيث وهي تطرق برقة في الصباح الباكر على نوافذ وسطوح المنازل التي توجتها الثلوج البيضاء الناصعة الموشحة بضفائر الشمس الذهبية.

. استيقظ ذلك الطفل الذي لم يتجاوز الثامنة من العمر، ليبدأ يومه بفرح ونشاط، ولينقذ ما كان قد خطط له منذ عدة أيام ليكون هذا اليوم مميزاً..‏‏

ارتدى ملابسه وذهب إلى أبيه الذي كان مشغولاً في تصليح المذياع لسماع آخر الأخبار حول الطيران الإسرائيلي والاجتياحات، ليطلب منه ما يكفيه من نقود لشراء ما يريده.. وكفراشة ربيعية جميلة انطلق الطفل إلى سوق المدينة لشراء الهدية التي تليق بهذا العيد العظيم وتنال إعجاب أمه، التي حبته الكثير من حنانها.. ومنحته عطفها.. وهبته نور عينيها بلا مقابل..‏‏

‏‏

وصل إلى السوق، وبدأ يسير في شوارعه التي تضج بأصوات الناس والأطفال الذين يريدون شراء الهدايا لأمهاتهم.. إضافة إلى الأغاني التي كانت تتردد على مسامعه والتي تحكي عن عطاء الأم وحنانها وحبها الذي لا ينضب..‏‏

(أمي يا ملاكي..يا حبي الباقي إلى الأبد..) كانت من بين الأغاني التي أعجبته حيث أخذ يغرد كالعصفور مردداً هذه الأغنية الفيروزية الجميلة لكي يحفظها..وبعد سير طويل، وبحثه في كثير من المحلات والحوانيت وقع بصره على حانوت صغير لبيع القطع الأثرية القديمة، وما إن دخل حتى لفتت نظره فخارة صغيرة جميلة ومزخرفة، لم يرَ مثلها من قبل.. وقال في نفسه: (هذا ما أبحث عنه..!) وبفرحة كبيرة غمرت محياه البريء أخذ الفخارة بعد أن دفع كل النقود التي معه ثمناً لها رغم أنها لا تقدر بثمن، شكر البائع وانطلق مسرعاً ليقدمها إلى أمه ركض.. وركض.. حتى تعب.. فجلس مستنداً على أحد الجدران وهو يتأمل الفخارة، ويتخيل الفرحة التي ستزين وجه أمه عندما تراها.. وبعد أن استراح قليلاً، عاد ليكمل سيره.. وهو يحملها بحذر شديد لكي لا تقع وتنكسر، ولكن ازداد حذره عندما رأى رجلاً من الصهاينة قادماً نحوه وقد ارتسمت ملامح الحقد والكره على وجهه.. أوقف الطفل، وأخذ يرمقه بنظرات قاسية أرعبت الطفل وجعلته يتمسك بالفخارة ويحتضنها بشدة بيديه الصغيرتين ليحميها من شر ذلك الصهيوني الغادر الذي أمر الطفل بالتخلي عن الهدية ولكنه أبى أن يفعل ذلك وهو يقول: (هذه الهدية لأمي.. فاليوم عيد الأم، لا تأخذها وتحرمني فرحة هذا اليوم..).‏‏

لم يكمل كلماته البريئة. فقد قاطعته رصاصة غادرة انطلقت من بندقية ذلك الصهيوني لتخترق ذلك القلب الصافي الممتلئ بالحب.. سقط على أرض وطنه. ودماؤه الطاهرة العطرة تسيل منه لتلون جسده الصغير..نظر إلى السماء وهو لا يزال يحتضن الفخارة وكأنها طفل رضيع.. وبدأ يغني: (أمي يا ملاكي..يا حبي الباقـ..) لم يستطع إكمال الأغنية فقد أغمض عينيه وسلم روحه الطاهرة هدية لأمه.. أرض الوطن.. بمناسبة عيد الأم.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية