|
شباب ونجول به على شباب نعيش معهم وبينهم ونتفاعل مع طروحاتهم لنصل إلى إجابات غير معقّدة تفيد هؤلاء الشباب في قادمات أعمارهم... مشاكل الشباب كثيرة، وقد يعتقد البعض أنها عصيّة على الحل لأن تفكير الشباب غالباً ما يكون متوتراً ومتشنّجاً وغير واضح المعالم، لكن تبسيط هذه المشاكل دون تجريدها من عمقها يقودنا على الأقلّ إلى مقترحات الحلول... نسألهم: هل بدأتم حياتكم من الصفر؟ فيضحكون ويقولون: يا ليت ذلك بل من تحت الصفر! ونسألهم عن أحلامهم فيقولون إنها كبيرة لكن اليد قصيرة والأفق الذي يحلمون تحته ضيّق ولهذا يسيطر التشاؤم عليهم!من تحت الصفر نتحدث عن صعوبة الإمساك بناصية المستقبل بالنسبة للشباب، فيتحدث الجميع عن (كفاح مطلوب) من أجل شقّ طريقهم في الحياة لكن ما إن يجدوا أنفسهم على بداية هذا الطريق حتى تبدأ الشكوى! التحوّل من الفكر الاتكالي الاستهلاكي لدى الشباب إلى حياة عملية منتجة يرى فيها الشباب مشكلة حقيقية والذريعة غياب الفرص وقلّة الحيلة.. ثمة تفاصيل علينا تذكّرها ومن ثمّ الحكم على الآراء فيها.. من الصف الأول الابتدائي وحتى الحصول على الشهادة الثانوية ليس مطلوباً منك سوى الدراسة، أي أنك تكون مستهلكاً لا منتجاً. مع الحصول على الشهادة الثانوية يبدأ الجدّ بعض الشيء في حياتك، لكنه ليس بإمكانك أن تكون منتجاً إلا في حالات قليلة يعمل فيها طلاب الجامعة إضافة لدراستهم لتبدأ حياة اتكالية بتكاليف أكبر في رحاب الجامعة وهذا معناه أن تصل إلى سن الـ 23 أو أكثر دون أن تحقق الاكتفاء الذاتي كأضعف الإيمان.. انتهيتَ من الجامعة في سن الـ23 ومن خدمة العلم في الـ25 وسأفترض جدلاً أنك بقيتَ سنة واحدة فقط بالبحث عن فرصة عمل وبدأت الإنتاج في سن الـ26 براتب شهري قدره (15) ألف ليرة وآن لكَ أن تعتمد على نفسك بالتجهيز للمستقبل حيث أمامك الشقة والزواج وردّ جزء من جميل أهلك عليك فهل تعتقد أنك قادر على الإحاطة بكل هذه الواجبات في الفترة الأكثر حرجاً من حياتك؟
خاتمان للخطبة ثمنهما يعادل راتبك لشهرين، ودعوة خطيبتك على (غداء) يطيح بنصف راتب وهدية صغيرة لحماتك (من أجل الرضى) تطيح بالنصف الثاني، وأنتَ أيها المتمسّك بتفاؤلك المشروع بإمكانك أن تستغني عن كل شيء لكن سندويشة فلافل يومياً وعلبة دخان إن كنتَ مدخناً وأجرة مواصلات من وإلى مكان العمل تستهلك ثلث الراتب تقريباً! ----------------------------- هل تفكّر بالقرض؟ متى ستجّهز الشقّة وتعدّ نفسك للزواج؟ هل تفكّر بالقرض أم تعلّق أحلامك على ورقة يانصيب؟ يُحسَد من يقول إنه بدأ حياته من الصفر لأن غالبية الشباب تتحدث عما هو دون الصفر حيث يضطر معظمهم لبدء حياتهم العملية مع الزواج بالحصول على قرض أو بـ (الجمعيات) ويستجرون تجهيزات البيت بالتقسيط.. أقسمَ بالله العظيم أنه لا يبقى من راتبه إلا (314) ليرة سورية، أما الباقي فهو موزع بين قسط القرض وأقساط الدائنين، أما كيف يتدبّر أمره فإنه مضطر للعمل كمندوب مبيعات وترويج العطورات من الساعة الرابعة عصراً وحتى منتصف الليل حيث يعود إلى بيته جثة هامدة وسيبقى على هذه الحال خمس سنوات قادمة على الأقل لأن ما يبقى من راتب زوجته أيضاً أقل من خمسة آلاف ليرة.. (أ – د) قال: لو لم أحصل على قرض وأنجز شقتي بالتقسيط وأشتري أثاث البيت بالطريقة ذاتها لما استطعت الزواج وكما ترى لم يبق في رأسي شعرة سوداء.. أما (ع – م) فقال: منذ أن توظفتُ منتصف الثمانينات وإلى ما قبل خروجي على التقاعد بسنوات قليلة لم أقبض راتبي كاملاً بعد الأشهر الثلاثة الأولى وما أن تنتهي مدة القرض حتى أنجز معاملة القرض اللاحق والنتيجة أنني أسدد ديوني من القرض لأبدأ رحلة جديدة من الاستدانة بانتظار تجديد القرض.. (ع – م) تمنى أن يستفيد الآخرون من تجربته فلا يستجرون القروض إلا في الحالات الطارئة والضرورية جداً خاصة إذا كانت الزوجة غير موظفة. -------------------------- ما موقف الكبار؟ كبار السنّ في الغالب يعيبون شاب اليوم بكسله وقلّة حيلته واستسلامه لواقعه السيئ وما أن تسأل أحد هؤلاء الكبار حتى يسرد لك تاريخه النضالي في هذه الحياة.. هذا يقول لك إنه جاء من بيروت إلى طرطوس سيراً على الأقدام ليوفّر أجرة الطريق، وذاك نقل في يوم واحد عدة أطنان من الرمل والبحص وثالث يقول لك استصلحتُ كل هذه الأرض بالمعول لوحدي فماذا بإمكانكم أن تفعلوا أيها الشباب؟ نتفق معهم فيما يقولونه وقد لا يمتلك شباب اليوم هذه القدرة الجسدية أو قدرة التحمّل التي امتلكوها ولكن ليس مطلوباً من شباب اليوم أن يمشوا خطوات أهلهم لأنهم درسوا «وقرضوا »الكتب كالفئران كما شبّه أحدهم نفسه ليمتهنوا عملاً ناضلوا فكرياً من أجله وقضوا أكثر من (16) سنة بين الكتب من أجل هذا العمل، وعلى طرف مقابل استغرب بعض كبار السنّ أن يصرّ الشباب على إكساء بيوتهم بالسيراميك والفرش الغالي و..الخ وهم على ما هم عليه من قلة دخل مستعيدين ذكريات الخطوة الأولى لهم في عالم الزوجية حيث عاشوا في غرفة واحدة أو في بيت العائلة..الخ لنعترف أن الظروف تغيّرت كثيراً وأن ما كان جيداً قبل ثلاثين سنة ربما لم يعد مقبولاً هذه الأيام وعلينا كأهل أن نحترم قناعات شبابنا لكن على هؤلاء الشباب أيضاً أن يكونوا واعين لواقعهم فلا يقفزون فوقه.. الصعوبات كثيرة في بداية الطريق، ومساعدة الأهل مطلوبة لتجنيبهم الانزلاق إلى قروض وديون تكبّل زهوتهم وتوهجهم في سنوات زواجهم الأولى، فإن لم يكن بإمكان الأهل فعل ذلك فالتروي مطلوب من قبل الشباب ولا بأس ببعض التنازلات لصالح بداية هادئة للشباب في تحوّلهم إلى أرباب أسر.. الاعتراف بوجود مشكلة ما هو بداية حلّ هذه المشكلة، وما يبالغ شبابنا بتصويره على أنه مشكلة أعتقد أنه مجرد صعوبات تواجه الشباب في بداية تحوّلهم للحياة العملية وهذا الأمر موجود في جميع المجتمعات وتبقى آلية التعامل مع هذه الصعوبات من قبل الشباب ومن قبل الجهات المسؤولة يسهّل حلّها بدل قذفها إلى الأمام على أجنحة من الوعود بالحلول. |
|