|
تقارير وجفاف يقض مضجع المسؤولين والمزارعين معاً في حين تعتبر فرصة التوسع في الزراعات المحصولية محدودة جداً ... فما مفاتيح الحل ؟؟
إن تحقيق اختراق نوعي في هذه المعادلة معقدة الأطراف يتطلب التغلب على قيود الموارد المحدودة دون تحجيم القدرة على إنتاج المزيد من الغذاء بكميات تكفي الزيادة السكّانية المرتقبة. ولعل مواجهة هذه الحاجات يتطلب مضاعفة إنتاج الغذاء خلال الأربعة عقود القادمة . فإضافة إلى الحاجة لتحسين مستوى التغذية لثلاث وعشرين مليون مواطن علينا أن نجد غذاء اضافياً لحوالي خمس وعشرين مليوناً جديدة . هذا الواقع يفرض علينا اتباع آليات تفكير مهنية مبتكرة وبناء قدرات علمية متطورة ، ومشاريع مشتركة ، وتأسيس علاقات تكامل بين قطاعات الزراعة والري والصناعات الزراعية والتحويلية ، أكثر نضجاً لأنه على كل حلقات الزراعة وإنتاج الغذاء أن تعمل معاً لإصلاح الخلل الذي اجتاح السياسات الزراعية السورية خلال الفترات الماضية ، التي اتسمت بالاستغلال المفرط للمياه ، وإهمال تآكل الأراضي الزراعية بفعل التوسع العشوائي للسكن البشري في تلك الأراضي ، وعدم موائمة الحاصلات المزروعة للتبدلات في حجم الوارد المائي وخاصة غير المتجدد منه . من الثابت أن أراضي سورية يسيطر عليها المناخ الجاف وشبه الجاف ، حيث تتلقى حوالي 55.1% من مساحة أراضي البلاد أقل من 200 ملم سنوياً كما تتلقى 9.9 % من الأراضي هطولات تتراوح بين 200-250 ملم ولا تصلح إلاَّ للشعير أو المراعي الدائمة ولا تشكل الأراضي القابلة للزراعة في البلاد سوى 32.64% من اجمالي المساحة العامة البالغة 18.5 مليون هكتار . وتعتمد الزراعة أساساً على الأمطار، مع وجود تذبذبات شديدة فيها كثيراً ما تؤدي الى انخفاضات تصل الى 30% من الإنتاج الزراعي. الجـــفــاف غالباً ما يتفق الباحثون على أن مفهوم الجفاف يعني تخلف المطر عن السقوط أو سوء توزيعه لفترة طويلة ، كما تم تعريفه من خلال ما ورد في المادة 1 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بأن كلمة الجفاف تعني» الظاهرة الطبيعية التي تحدث عندما يكون المطر أدنى بدرجة محسوسة من مستوياته المسجلة، وهي تتسبب بذلك في وقوع اختلالات هيدرولوجية تؤثر تأثيرا ضارا على نظم إنتاج الموارد الأرضية». سورية، شأنها في ذلك شأن بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، مرت في السنوات القليلة الماضية بسنوات جفاف شديد. ومن المؤكد أن ذلك قد تسبب في خسائر ضخمة في إنتاج المحاصيل الشتوية، فقد بلغ إنتاج القمح، أدنى مستويات إنتاجه في السنوات السبع عشر الأخيرة . وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء / أوليفييه دي شوتر / : إن سورية تعرضت منذ عام 2006 لأربعة مواسم جفاف, وإن أشدها ضررا كان في موسم 2007-2008. وأضاف دي شوتر, ان الخسائر التي تسببت فيها مواسم الجفاف تلك كانت كبيرة بالنسبة إلى سكان المناطق الشمالية الشرقية, خاصة في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة. و ذكر المقرر الأممي أن 1.3 مليون شخص في المجموع تأثروا بالجفاف, وقال إن 95% منهم يعيشون في تلك المحافظات الثلاث المتضررة . وأضاف أن صغار المزارعين هم الأكثر تضررا من الجفاف.. ولا يزال احتمال تكرار هذا الواقع مهيمناً على تصورات وخطط المعنيين بالقطاع الزراعي السوري ومن هنا تم اتخاذ خطوات عملية كإحداث مديرية متخصصة بدراسات الجفاف وكذلك التعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في مشروع الإنذار المبكر عن الجفاف ، كما تم إحداث صندوق الكوارث والجفاف . إن المطلوب الآن من هيئة البحوث العلمية الزراعية ومراكز البحوث العربية والدولية العاملة في البلاد التوجه نحو استنباط أصناف نباتية وطرائق زراعية تتلاءم وواقع الجفاف الذي أصبحت احتمالات تكراره مرتفعة في العقود الأخيرة بفعل التغيرات المختلفة التي تسيطر على مناخ الأرض . وكذلك من المرجح أن تعمل أجهزة الإرشاد الزراعي على نقل تقانات جديدة ونشر مفاهيم حديثة بين جماهير المزارعين حول التعامل مع ظروف الجفاف . شح الموارد المائية : العجز المائي بدأت تتضح مظاهره في اغلب الأحواض المائية وسيتفاقم هذا العجز مع التطور باستنزاف الموارد المائية ، حيث ارتفع في العقود الثلاثة الماضية استخدام المياه الجوفية في الري ارتفاعاً ملحوظاً إذ يعتمد 60% من الأراضي المروية في سورية على السحب من المياه الجوفية . وكان من نتائج ذلك أن انخفضت نسبة الأراضي المرورية بالمياه السطحية إلى 36%، في حين ارتفعت نسبة الأراضي المروية بالمياه الجوفية إلى 64% ما أدى إلى الاستنزاف الجائر للخزان الجوفي وانخفاض مستوى الماء الأرضي وتقليل تدفق المياه . فضلاً عن أن طرق الري غير الفعالة تتسبب بهدر كميات كبيرة من المياه، والري بطريقة الغمر يستهلك مياهاً أكثر بنسبة (30 %) إلى (40 %) مقارنة بطريقة الري الحديث بالتنقيط ، و بالرغم من صدور قانون يمنع حفر الآبار في عام (2005) إلا أن الآبار غير القانونية ازدادت في البلاد، ويتم حالياً حفرها بعمق زائد عن أي وقت مضى وبشكل يصل إلى الاحتياطيات المتقلصة من المياه الجوفية، ولعله من سوء الطالع أن كفاءة شبكات الري تبلغ (60 %) وفاقد المياه في الزراعة هو (50 %)، ولم تتجاوز مساهمة تقنيات الري الحديثة المستخدمة في سورية نسبة 1% فقط من إجمالي المساحة المروية في سورية مع أن نتائج الأبحاث والدراسات تؤكد أن الري بالرش يوفر من (65%) إلى (75 %) من إجمالي كمية المياه التي يتطلبها طرق الري بالغمر، وهو يسمح بتقديم الأسمدة إلى التربة من خلال منظومة الري، ويمكن استخدام الري بالرش في جميع الأراضي وخصوصاً تلك المعقدة طبوغرافياً وفي جميع أنواع التربة، أما طرق الري بالتنقيط فهي من أحدث طرق الري وأكثرها كفاءة، ويسمح الري بالتنقيط بتأمين المياه بحدود (75 %) إلى (100 %) من السعة الحقلية، كما أنه يوفر نحو (20 %) إلى ( 30% ) من المياه بالمقارنة مع طرق الري بالرش. تقلص المساحة المنتجة : تشير البيانات إلى أن نصيب المواطن السوري من الأراضي الصالحة لإنتاج الغذاء قد تراجعت بشكل كبير وذلك بفعل زيادة عدد السكان بنسبة تجاوزت بكثير نسب إضافة مساحات جديدة في الاستثمار الزراعي ، فضلاً عن خروج مساحات كبيرة من الزراعة نتيجة التوسع السكني العشوائي في الأراضي الزراعية . أو نتيجة التملح وسوء أنظمة الصرف في بعض الحالات أو الري المفرط لبعض المساحات في حوض الفرات على سبيل المثال . حوار الأرقام : بينما ازداد عدد سكان سورية من /4.7 / ملايين نسمة في عام 1961 إلى / 21.124/ مليون في عام 2011، انخفـض نصيب الفرد من الأراضي القابلة للزراعة من / 3.17 / هكتارات عام 1961 إلى / 0.658 / هكتار عام 2010 . - معدل النمو السنوي للأراضي الصالحة للزراعة للفترة 1994-1999 كان -0.46% ثم ارتفع ليبلغ 0.25 % خلال الفترة 1999-2004 اما خلال الفترة 2004-2009 فقد انخفض إلى -0.38 % -بلغ عدد سكان الريف السوري مليون نسمة ومن المتوقع تراجع عددهم الى 8.2 مليون نسمة عام 2050. - انخفض معدل النمو السنوي للقوى العاملة في قطاع الزراعة من 2.66 للفترة 1996-2001 إلى 1.12 للفترة 2001-2006 ثم انخفض إلى 0.76 للفترة 2006-2011 . ·ازداد تعداد الثروة الحيوانية السورية بشكل كبير حيث يقدر عدد الأبقار حالياً بحوالي 1.010 مليون رأس ، و عدد الأغنام 17.511 مليون رأس ،. وهناك حوالي 2.057 مليون رأس من الماعز و125 الف راس من الفصيلة الخيلية وحيوانات الركوب والنقل وخمسون الف رأس من الإبل وحوالي سبعة آلاف رأس من الجاموس. أما الدجاج فيبلغ عدده حوالي 25.4 مليون دجاجة .. - تراجعت مساحة المروج والمراعي من 8.27 مليون هكتار عام 2000 إلى 8.21 ملايين هكتار عام 2010. -الاستهلاك السنوي للفرد بالعالم من بعض المواد الغذائية سوف يتغير خلال العقود الخمسة الأولى من القرن الحادي والعشرين من 165 إلى 160 كيلو من الحبوب ، ومن 70 إلى 75 كيلو من الجذريات والدرنيات ، ومن 22 إلى 28 كيلو سكر ، ومن 12 إلى 18 كيلو زيوت وبذور نباتية ، ومن 35 إلى 52 كيلو لحوم ومن 78 إلى 100 كيلو من منتجات الألبان. الزراعة لم تفقد قدرتها على مواجهة هكذا تحديات : لنتفق بداية على أنه لا يمكن مواجهة كل التحديات دون اعتماد تكنولوجيات متطورة . حيث اتسمت الزراعة بشقيها النباتي والحيواني بالاعتماد على الطرق التقليدية ، بينما تمكن مزارعو الدول المتقدمة من تبني تقانات متطورة في كل مراحل الإنتاج الزراعي والتسويق ما ساهم بتحقيق زيادات شاقولية كبيرة في الإنتاج وتعظيم العائد الاقتصادي على الاستثمار الزراعي حيث ساهمت طرق إعداد التربة للزراعة والأصناف المنتخبة من النبات وطرائق التسميد والري ومكافحة الآفات والحصاد وكذلك الطرق العلمية في تربية ورعاية وتغذية وصحة الحيوان بالوصول الى نتائج مذهلة في الإنتاج الزراعي الاقتصادي وتحقيق فوائض إنتاجية كبيرة في الدول المتقدمة . بينما لا تزال الزراعة المحلية تتجه بخطوات بطيئة نحو ترسيخ التكنولوجيا لخدمة الإنتاج . ففي حين تبلغ غلة الهكتار من القمح المروي محلياً 1920 كغ /هكتار . أما غلة الهكتار من الذرة الصفراء فتبلغ 3512 كغ . كما يبلغ متوسط إنتاج البقرة 2800 كغ/ موسم . ومما لاشك فيه أن التفوق الكبير في الإنتاج وما يحققه من وفر في تكاليفه جاء نتيجة تطبيق مرفق العلم والتكنولوجيا في الزراعة والإنتاج ، وسورية من الدول التي تمتلك كادراً فنياً متطوراً في مجالات الإنتاج الزراعي المختلفة ولديها إمكانات زراعية كبيرة والمطلوب وضعها في الشروط والظروف المنتجة وهذا يؤهلها لتجاوز شبح وثالوث الزراعة السورية .... |
|