|
ثقافة
من أصعب الروايات التي خاضت في تيار الوعي، «الصخب والعنف» لوليام فوكنر التي صدرت عام 1929، غائرة في أزمنة متعددة يُداخل بينها الروائي وكما لو أنها لعبة التحدي المفضلة لديه. تصعب قراءة الرواية بتشعبات أزمنتها المتنوعة تنوّع صوت الراوي في كل فصل فيها وربما أكثر.. حيث تروى الأحداث في كل فصل من وجهة نظر إحدى الشخصيات الأخوة: «بنجي، كونتن، جاسون» بالإضافة إلى أختهم «كاتي».. ولن يدرك القارئ تفاصيل الحكاية ويفهم خلاصتها إلا بوصوله الخاتمة حين تتضح مجمل خيوط العمل.
من الإنتاجات السينمائية فيلم «الصخب والعنف- The sound and the fury» عام 2014، مقتبساً عن رواية فوكنر، من إخراج وبطولة جيمس فرانكو الذي أدّى شخصية «بنجي- بنجامين» الابن المعتوه، وبدأت الرواية بفصلٍ يروى من خلاله، بصوته.. يتساءل سارتر في معرض حديثٍ له عنها: «لماذا كانت أول نافذة تفتح على العالم الروائي فيها مروية على لسان شخص معتوه؟».. هل كانت إشارة من الكاتب وجب علينا التقاطها..؟ لماذا كان التقديم لعمله من وجهة نظر شخصية غير متوازنة..؟ هل أراد الإيماء إلى كون العالم من حولنا غالباً ما يدار من وجهة نظر غير متزنة..؟ لن يكون الدخول في متاهات السرد التي قدّمها فوكنر سهلاً، من خلال الفيلم.. وبالوقت ذاته لعله أكثر سهولةً من الخوض في الرواية ذاتها. بمعنى: لربما أشكل الأمر على متابع الفيلم، بدايةً، في التقاط تفاصيل الحكاية.. لكنها مع كل ذلك تبقى أدوات العمل البصري السينمائي أكثر مرونة في التعاطي مع تداخلات الزمن.. تكشفها عين المتلقي أسرع زمناً من وعي القارئ. وغالباً لن يستقر فهم القارئ والمتفرج دون وضع عمل فوكنر هذا وعموم أعماله ضمن سياقها الزمني التاريخي.. الذي يعود فيه إلى فترة زمنية ترجع إلى بدايات القرن العشرين في منطقة الجنوب الأمريكي، ولاية الميسيسيبي، وما ترويه من انهيار للعائلة الجنوبية، كما عائلة كامبسون التي تلتقط الرواية حكايتها، وما سبّبته الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب وتداعياتها على منطق العيش في تلك المنطقة. في فيلم (الصخب والعنف) تظهر، كما الكثير من الأفلام، تلك الطريقة التي يعامل بها البيض عبيدهم السود.. دون مباشرة أو قصدية واضحة. نقطة قوة من نقاط الفيلم تتجلى بأداء جيمس فرانكو لشخصية «بنجي» المختل، غير المتوازن، كيف التقط روح الشخصية والأداء الأنسب لها عبر إظهار حالة عويل وأنين دائمين، وحركات جسدية غاية في الدقة. ولمّا كانت الرواية تعتمد أسلوب تيار الوعي، تقفز إلى ذاكرة كلٍّ منا أعمال من هذا القبيل لكل من جيمس جويس، مارسيل بروست، وفرجينيا وولف.. وهذه الأخيرة وكما يُذكر في الطريقة التي ماتت بها.. وسُجّل ذلك أيضاً فيلم «الساعات» الذي يخلط فيه مخرجه بين أزمنة وحكايات ثلاثة، من بينها حكاية «مسز دلاواي» وحكاية وولف ذاتها، ورد فيه الطريقة التي ماتت بها وولف بانتحارها غرقاً عبر وضع حجارة في جيوبها.. شخصية «كونتن» الابن الأكبر في «الصخب والعنف» ينتحر غرقاً بتثقيل جيوبه بمكاوٍ حديدية. |
|