تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المؤسسات الرسمية تتنصل والخاصة لا تتدخل ...من يدعم مغامرة مسرحية في المحافظات ?

شؤون ثقافية
الاربعاء 13 /9/2006م
خالد مجر

المسرح كله كفن بات مغامرة, بغض النظر عن نجاح العرض ام لا.

لكن المغامرة تبدو اقل كلفة حين تتبناها مؤسسات الدولة المعنية بإنتاج العروض المسرحية, وأهم تلك الجهات هي مديرية المسارح والموسيقا التي تشكو منذ زمن طويل ضعف ميزانيتها مقارنة بما هو مطلوب منها.‏

الحد الأدنى‏

مديرية المسارح والموسيقا, تحدد منذ بداية الموسم المسرحي العروض التي ستقوم بانتاجها وهي غالبا لاتلتزم (باللائحة) اذ تخرج عروض وتدخل اخرى مكانها, لأسباب وظروف كثيرة, ومنذ سنوات نسمع احاديث حول تطوير عمل هذه المديرية لكن الكلام يبقى معلقا في الهواء دون اي تنفيذ وربما اهم ما فعلته هذه المديرية اعادة مهرجان دمشق المسرحي الذي غاب نحو ربع قرن من الزمان .‏

واقع ولكن‏

رغم هذا الواقع الصعب لا يتوقف المسرحيون عن محاولة تقديم اعمال يمرون من خلالها في خرم الابرة, اذ المهم في المحصلة انتاج العرض المسرحي وتقديمه على الخشبة. من اجل ذلك نرى تنازلات قد تكون على حساب النص احيانا واحيانا اخرى على حساب العاملين في العرض , هنا يبدأ الحديث عن واقع المسرح الصعب والواقع الاصعب الذي يعمل فيه من يدخل مثل هذه المغامرة.‏

حكاية قديمة‏

قبل نحو سنة او اكثر بقليل جرى حوار في مديرية المسارح والموسيقا مع الفنان زيناتي قدسية عن تقديم عرض (الديك) الذي حقق نجاحاً جماهيرياً ونقديا واسعين عند عرضه قبل بضع سنوات على مسرح القباني. وتركز هذا الحوار حول اعادة تقديم هذا العرض مرة اخرى في المحافظات.‏

الكاتب والمخرج طلال نصر الدين لعرض الديك, وكذلك الفنان زيناتي قدسية كانا متحمسين للفكرة, وقالا انهما يستعدان لخوض هذه التجربة بل لديهما الرغبة في ذلك, لكن العائق الوحيد كان في التغطية المالية لمثل هذه الرحلة المغامرة بين المحافظات.‏

يومها كان رأيي أن العرض لايكلف كثيرا اذ يعتمد على ممثلين اثنين فقط هما اضافة الى قدسية الفنان قاسم ملحو, والديكور يمكن نقله من مكان الى آخر, تبقى تكاليف الصوت والاضاءة اضافة الى المواصلات والاقامة.‏

انتهى الحديث يومها وانا اظن ان التجربة ستنطلق في أقصى حد بعد شهر لكن اكثر من سنة مضت قبل ان يتحول الكلام الى فعل!‏

كيف ولماذا?‏

التجربة ستبدأ في محافظة السويداء اولا يليها درعا وسيحدد نجاح العرض في هاتين المحافظتين الاستمرار في هذه التجربة او التوقف عنها.‏

التكاليف سيتحملها طلال نصر الدين مستغلاً مبلغا ماليا حصل عليه اما الممثلان فهما سيكتفيان بتوفير الاقامة لهما, هكذا بدأت رحلة اخرى لهذه التجربة من خلال محاولة تأمين اي دعم مادي لها من جهات رسمية او خاصة في كل محافظة.‏

ما الذي حدث ?‏

الذي حدث ان طلال نصر الدين لم يستطع ان يؤمن اي دعم لهذه التجربة لا من المحافظة التي رأت انها غير مهتمة بهذه (الشغلات).‏

فأعمالها اكبر من الاهتمام بأي فعل ثقافي هكذا جاء الرد من مكتب محافظ السويداء كذلك الجهات الخاصة التي لديها القدرة المالية على الدعم فانها لم تقدم جوابا افضل مما قدمه مكتب المحافظ فهذه الجهات هي ايضا غير معنية بهذه (الشغلات).‏

هذه هي الصورة في السويداء اما المحاولة في محافظة درعا فلم تبدأ بعد ولا يعتقد طلال ومن معه ان التجربة ستكون افضل مما جرى في السويداء .‏

مديرية المسارح والموسيقا من جهتها لم تقدم اي دعم لهذه التجربة فعاد الامر كله الى القروش الموجودة لدى طلال واصرار الممثلين على انجاح التجربة.‏

رأي شخصي !‏

اذا كان للرأي الشخصي دور في هذا المجال فأنا ارى ان التجربة لن تفشل لأن العرض جميل ويمكن ان يجذب المشاهدين خاصة ان سعر التذكرة مناسب لمختلف انواع الدخل لدى المواطنين, واعتقد ان جمهور المحافظات كما كتبت اكثر من مرة هم رواد مسرح فعلا اكثر من دمشق رغم فارق عدد السكان بين دمشق واي محافظة اخرى خاصة ان العرض لن يقدم اكثر من يومين في كل محافظة. لكن هذا الرأي لن يكلفني ماديا في حال عدم صحته كما سيكلف اصحاب المشروع ذاتهم .‏

من يهرب أولاً?!‏

ما حدث وسيحدث مع المؤسسات العامة والخاصة وكأنه هروب من تحمل اي مبادرة, والذي سيهرب اولا سينجو بجلده ويبقى التركيز على اخر الهاربين! لأنه هو الذي سيبقى اكثر في الذاكرة.‏

في دول اخرى تقدم للجهات الخاصة التي تساهم في ترويج اي فعل او عمل ثقافي تسهيلات من الدولة كاحتساب هذه المبالغ من الضرائب وقد أثمرت هذه الخطوة في الدول المتقدمة اذ سارعت الجهات الخاصة الى تبني اعمال مكلفة جداً طالما أن الكلفة ستتوزع بين الجهة الخاصة والدولة, وفي تبني مثل هذه الاعمال فائدة للطرفين..‏

لكن الذي يحدث عندنا ان الدولة لم تقدم اي امتيازات وبالتالي فقد القطاع الخاص اي رغبة في المساهمة بمثل هذه الاعمال خاصة مع تحول الفنان صاحب اي مشروع الى ما يشبه مشروع متسول ان كان على ابواب المؤسسات الرسمية او الخاصة.‏

فاذا كانت المؤسسات الرسمية قادرة على التهرب والهروب كذلك القطاع الخاص, فالى اين سيهرب صاحب المشروع الثقافي?!‏

مع التجربة‏

نجاح مثل هذه التجربة اي عرض (الديك) سيكون حافزاًَ ومشجعاً على تقديم اخرين لتجارب مشابهة خارج دمشق لكن من اجل نجاحها يجب ان يدعمها المغامرون واذا تخلى المعنيون عن الدعم فعلى الاعلام ان يقوم بدوره كي يساهم بقسطه في هذه التجربة ولا يكون متفرجا عليها من بعيد لبعيد.‏

فالاعلام هنا يلعب دورا أساسياً في الترويج لمثل هذه التجارب ودعمها ويكون بذلك اي الاعلام صادقا مع نفسه في دعم الفن المحتاج الى الدعم من اجل وجود واستمرار هذا الوجود.‏

تجارب أخرى‏

اعرف شخصياً فنانين كثر لديهم الرغبة في تقديم تجاربهم خارج دمشق لكن عروضهم تحتاج لامكانات لايملكونها وبالتالي بقيت الرغبة حبيسة الصدور في ظل واقع اقوى من الرغبات والامكانات الفردية.‏

أعود هنا إلى أحاديث كثيرة قيلت في مديرية المسارح والموسيقا حول تنشيط المسارح في المحافظات وحول دور المسرح واهمية نشره الى آخر الافكار والشعارات التي نعرفها جيدا لكن المديرية حتى اليوم لم تتحرك قيد انملة عن الاقوال فقط, ولم تدخل حيز التنفيذ وعندما يبادر الاخرون تكتفي المديرية باعلان عجزها عن المساعدة.‏

آباء كثيرون!‏

الآن اذ نجحت التجربة سيتبنى المشروع آباء كثيرون لكننا لن نعرف من هم ولا أين كانوا لكنهم سيقولون في كل تصريح صحفي او لقاء إذاعي او تلفزيوني أنهم كانوا مع التجربة وانهم اول من دعمها ووفر السبل لنجاحها . ولن نعدم كلمة قيلت هنا او هناك تؤيد هذا الرأي!.‏

أين المؤسسات ?‏

ان نجاح التجربة كما ارى لن يبدل او يغير من واقع الحال لأن الامر هو في غياب دور العمل المؤسساتي الذي كثر الحديث عنه في السنوات الاخيرة دون ان نرى ممارسة حقيقية له على ارض الواقع .‏

العمل المؤسساتي وحده الذي يضمن استمرار مثل هذه التجارب ودعمها بغض النظر عن فشل هذا العرض او ذاك,لأن المؤسسة وحدها القادرة على خلق التوجه وبناء تيار يعمل في هذا الاطار. اما المبادرات الفردية مهما كانت كثيرة وناجحة ستبقى في اطار الاجتهاد الذاتي لا اكثر ولا أقل ولن تشكل الاستمرارية اللازمة لجمهور المحافظات كي يدعم هو الآخر مثل هذه المشاريع.‏

ان غياب دور المؤسسات في بناء فعل ثقافي حقيقي لايتجلى في دعم مثل هذا المشروع الذي نتحدث عنه بل يطال جوانب اخرى ايضا فغياب المؤسسات ليس هنا وحسب بل في مشاريع اخرى كثيرة.‏

شكراً لكم‏

لم يستطع اصحاب مبادرة (الديك) رؤية محافظ السويداء لطرح المشروع عليه ومناقشته فيه , ولم يستطيعوا تأمين دعم من القطاع الخاص كذلك , وهم اليوم يعتمدون على قدراتهم الذاتية, كل ذلك حسن, طالما ان قرار الاستمرار بهذه التجربة ما زال ساريا, وان اعلان المغامرة سيبدأ في العشرين والحادي والعشرين من هذا الشهر في السويداء تليها درعا واستكمال المغامرة يعتمد على جمهور هاتين المحافظتين فليس لنا الا ان نتوجه بالشكر الجزيل الى اصحاب هذه المغامرة الذين قرروا الانتقال من مرحلة الكلام الى الفعل. وللشكر هنا اكثر من جانب اولها تقديم هذا العرض الذي سبق ان نال عنه الفنان زيناتي قدسية جائزة افضل ممثل مسرحي في مهرجان عمان وثانيها ان هذه المغامرة تؤسس لفكر مسرحي قد يتبعه آخرون خاصة اذا نجحت هذه التجربة.‏

ثالثها الانتقال الى ممارسة مختلفة في العمل المسرحي هم كل المسرحيين وهي التواصل مع الجمهور في اكثر من مكان .‏

رابعها ان هذه المجموعة تقوم بفعل حقيقي 00 بهدف تقديم مسرح حقيقي وجميل في المحافظات التي لاتنتج عروضا الا في المناسبات وتقديم هذه العروض مع فنانين محترفين لهم اسمهم وتاريخهم الطويل في هذا المجال .‏

ان عرض (الديك) سبق ان استمتعنا به كثيرا أثناء عرضه لأول مرة واضمن لكل من سيشاهد هذا العرض المتعة ذاتها ان على مستوى الشكل او المضمون. اما اداء الممثلين فانهما اكبر واهم من شهادتي بهم وهما صاحبا باع طويل في هذا المضمار .‏

علينا الآن الانتظار لنرى النتائج وهي حسب رأيي ايجابية بكل المقاييس على المستوى الفكري اما المادي فهذا له حديث آخر وشجون اخرى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية