|
آراء و مهما كانت شدة وقعها على العقل و على النفس , و مع مرور الزمن على حدث من الأحداث التي تستحق الوقفة عندها تأكيدا لمصداقيتها , يزداد تشبث الكاتب غير القابل للبيع و الشراء لجهة تأمين مصلحة شخصية بكلمة الحق , خصوصا عندما تكون كلمته مستندة الى رؤية موضوعية و لا تكون مبنية على حقد أو على غيرة .
وهكذا , بين الحين و الحين , نقرأ للإعلامية ( ماريا المعلوف ) مقالاً من النوع الذي يضع النقاط على الحروف من دون مواربة أو مسايرة , و ذلك على غرار القول للأعمى أعمى . الصراحة هنا لا تعني إهانة صاحب العاهة إلا إذا كان يلعب المخاطب دور المصاب بالعاهة لاعتبارات معينة , وخصوصا عندما تكون هذه الاعتبارات مفضوحة. ماريا المعلوف , بحكم تجاربها المعمقة في حقل الإعلام و تفهمها لمواقف الكثيرين من رجالات السياسة في لبناننا العزيز , لم و لا تنطلي عليها دوافع البعض منهم في سياق التداعيات التي خلفتها الحرب الاسرائيلية الشرسة ضد أهلنا في البلد الشقيق . و من هنا صراحتها في قول كلمة الحق , كما كانت في كل ما كتبت , كذلك عندما كتبت مؤخرا مقالا حول التضحيات التي قدمتها سورية من خيرة شبابها و أحسن عتادها , ليكون لبنان العربي لأهله العرب لا للغزاة الإسرائيليين , كما كان يراد له أن يكون في العام 1982 تحديدا . إن أجداد و أبناء جيل ما بعد تسعينات القرن الماضي , يعلمون ذلك جيدا , و قد شاهدوا بأم أعينهم الاجتياح الإسرائيلي وصولا حتى العاصمة بيروت . إن أبناء جيل ما بعد الحرب الأهلية في لبنان التي انتهت في سنة 1990 , هم بكل تأكيد , غرباء عن تاريخ بلدهم المعاصر لأسباب كثيرة , بينها محاولة تزوير التاريخ الذي تشهد صفحاته أنه لولا عزم القيادة في سورية , في ثمانينات القرن الماضي , على منع إسرائيل من تحويل لبنان الى كانتونات صغيرة و دخولها ساحة المواجهة العسكرية مع القوات الغازية , و طردها من الأراضي اللبنانية , لما كان لبنان اليوم لبنان العرب و العروبة . في عام الاجتياح , بعزيمة المقاتل الجندي العربي السوري و إيمانه بأنه يقاتل دفاعا عن أرض تعنيه كما تعنيه أرض سورية استعاد لبنان هويته الحضارية . إن إبقاء , و لا أقول بقاء , إن إبقاء أبناء جيل ما بعد العام 1990 بعيدا عن الحقائق التي كان ينبغي لآبائهم توضيحها لهم , قبل زجهم في نفق المتاجرة بأوراق التاريخ الحديث نسبيا , حتى يتمكن أحدنا من تبرئتهم من سوء الفعل و القول , و بالتالي من الانجراف وراء صانعي النوايا الخبيثة و مروجيها بين الذين هم الأكثر قربا منا و بمثابة الأهل , ليسوا كما الآتين إليهم من وراء البحار و الجبال , مدفوعين بآمال استعادة مواقعهم التي خسرها البعض منهم أمام ضربات المقاومة الوطنية في أربعينات القرن الماضي , و لكن هذه المرة ليس بذريعة انتظارنا حتى نبلغ سن الرشد , بل ذريعة الحفاظ على أمن و مستقبل لبنان , و أيضاً بذريعة طمأنة الابن على كونه صار في حضن أمه الحنون ! إذا قال أحدنا أنه لا يرى ما وراء الأكمة , يكون جاهلا لحقائق تاريخ الاستعمار القديم الذي يحاول أن يجدد ذاته في وقتنا الراهن . و من لايجهل التاريخ و يضع إصبعه على الكلمة الخطأ , و من ثم يعريها , يكون صريحا في قول الكلمة الصواب , كما هي اليوم بيننا هذه الإعلامية الشابة ماريا المعلوف , صاحبة الضمير الذي بقي حيا , و لا أعتقد أنها ستبقى الوحيدة بين آخرين بدأت ضمائرهم تتحرك و تنبىء بأنها لم تمت بعد. |
|