تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


11 أيلول وارتداداته عربياً وعالمياً

شؤون سياسية
الاربعاء 13 /9/2006م
حسن حسن

إثر عملية 11 أيلول, ابتدع الرئيس الأميركي معادلة لا تمت إلى الذهنية الديمقراطية بأي صلة حين أعلن أن (من ليس معنا هو ضدنا) بمعنى أن من ليس مع الولايات المتحدة هو ضدها وسرعان ما تطورت المعادلة لتصبح كالآتي:

من ليس مع الولايات المتحدة هي ضده, إنها معادلة جديدة ترسم قواعد اللعبة الدولية الأحادية الجانب والتي تمارسها واشنطن منذ الاعتداء عليها.‏

وبحسب المنطق الذي تعمل به هذه المعادلة, فإنه يتعين على من اختار الوقوف إلى جانب واشنطن أن ينقاد إليها, وأن يعمل بمقتضى توجيهاتها من دون مناقشة, وأن تتحول من حليف إلى تابع من دون شروط, باستثناء (إسرائيل) الحليف المتمايز أما باقي الحلفاء فإنها تمارس ضغوطها عليهم, وتحاول أن تملي عليهم مواقفها, ما يدفعنا إلى طرح السؤال الآتي: إذا كانت واشنطن تعامل حلفاءها بهذه الطريقة فماذا تركت لخصومها وأعدائها?!.‏

أغلب الظن أن هذه المعادلة لم تترك مجالاً للحياد أو الرأي الآخر أو للرفض والتردد في منح واشنطن (شيكاً على بياض) في كل خطواتها, وفي كل قرار تتخذه والموافقة على كل عمل تتخذه أو تنوي اتخاذه مهما كان خطيراً أو خاطئاً أو مهدداً لمصالح الدول الأخرى ,فالنظام العالمي الجديد مسح كل القيم السابقة واستغنى عن الأمم المتحدة والوفاق الدولي والمنظمات والتحالفات, وأسس لوضع جديد متسلط يقوم على سيادة كلمة الولايات المتحدة في العالم.. وما على باقي الدول إلا الرضوخ والسمع والطاعة,وما قيل بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن وما تردد من تحليلات وتوقعات وتكهنات قيل من قبل عند انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة,بل يمكن القول إنه مكمل له لرسم صورة النظام العالمي الجديد‏

وفي كل الأحوال كانت كل النتائج تصب في خانة واحدة وهي شكل النظام العالمي الجديد والدولة المهيمنة عليه, وفي مصب واحد هو الولايات المتحدة, ففي حالة حرب افغانستان الأولى التي استخدم فيها المسلمون كأداة ووقود لتفكيك الاتحاد السوفييتي تحت ستار(الجهاد) ضد الكفرة والملحدين الشيوعيين, وفي حالة غزو الكويت تحقق للولايات المتحدة مالم تكن تحلم به أو تحقق جزءاً يسيراً منه في الظروف العادية من سيطرة على منابع النفط وتأمين المصالح وإقامة قواعد ونقاط ارتكاز وانطلاق, وفي حالة تفجيرات نيويورك وواشنطن امتدت هذه المكاسب إلى آسيا الوسطى ودولها الإسلامية وإلى منابع النفط والغاز وخطوطه المحددة, وتم تأمين قواعد جديدة ومواقع استراتيجية مهمة لتثبيت الهيمنة الكاملة ومحاصرة دول رئيسية لقلب موازين القوى في أي صراع مستقبلي.‏

وسبق أن شبهت التفجيرات بالزلزال الخطير نظراً لما تسببت به من متغيرات وآثار ومفاعيل وانعكاسات وأضرار, وما لتردداتها من مخاطر على العالم وعلى الدول العربية والإسلامية وبوجه خاص على قضاياها الرئيسية وفي مقدمتها قضية فلسطين التي خسرت الكثير من أوراقها في الحالات الثلاث التي أشرنا إليها: انتهاء الحرب الباردة وإسقاط ورقة التوازنات الدولية والدعم المزعوم للفلسطينيين, وغزو الكويت والأضرار التي لحقت بالشعب الفلسطيني المهاجر والمقيم والتي كانت من مسبباتها الدخول في دوامة أوسلو وما تبعها من انتكاسات, وأخيراً تفجيرات واشنطن ونيويورك التي شكلت الضربة القاضية التي شلت قدرات الشعب الفلسطيني وعرضته مع غيره من الشعوب العربية للذل والهوان والسكوت على الضيم خوفاً من أن يتهم بالإرهاب طالما أن العاصفة هوجاء وتحصد رؤوس من يتعرض لها, وبعيداً عن أحاديث المصالح الأميركية والنفط والغاز والاستراتيجيا والصراعات المرتقبة والنظام الجديد والهيمنة الأميركية وترددات ما جرى على العالم, يهمنا أن نسعى لمعرفة حصيلة خمسة أعوام بعد الزلزال على العرب والمسلمين ورصد حسابات الخسائر والأضرار والأخطار المتجمعة في نقطتين رئيسيتين:‏

1- صورةالعرب والمسلمين: يمكن القول إنه ما من دولة عربية أو إسلامية إلا وتضررت من جراء هذه العمليات الخرقاء بغض النظر عن مبرراتها وأهدافها وهوية منفذيها والمحرضين عليها علماً أن عملية الشحن الدعائي والنفسي والعدائي قد سبقت 11/9 وبلغت ذروتها إبان سنوات انهيار الاتحاد السوفييتي وزوال الخطر الشيوعي حيث ظهرت نظريات تحريضية ظاهرها علمي وتحليلي وباطنها حاقد ومغرض ومشبوه تصور الإسلام وكأنه الخطر الوحيد القادم الذي يهدد الحضارة الغربية والعالم, ومن هنا انتشرت شعارات مثل (صراع الحضارات) و (الإرهاب الإسلامي والعربي), و(نهاية التاريخ) وغيرها, ومن يحاول رصد حسابات الأضرار يدرك جيداً خطورة ما جرى ولاسيما على الجاليات العربية والإسلامية التي بدأت تنخرط في مجتمعاتها الجديدة وتلعب دوراً ملفتاً ومؤثراً في مراكز القرار, ثم على آلاف الطلاب الجامعيين العرب ثم على مراكز البحث الإسلامية والثقافية التي بدأت تحتل مواقع متميزة في الغرب بعد ما شهدت ازدهاراً كبيراً ولقيت تشجيعاً حتى من حكوماته.‏

2- قضية فلسطين واستطراداً قضية السلام في المنطقة, فقد وجدت الصهيونية العالمية المتمثلة بإسرائيل فرصة ذهبية ثمينة لا تعوض لضرب عصفورين بحجر واحد: الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية والبنى التحتية التي أقامها بدم قلبه ومسيرة السلام والتزاماته وكل ما تحقق أو تم الاتفاق عليه من مبادرة السلام الأميركية (جورج بوش الأب) ومرجعية مدريد ومبادئ الشرعية الدولية والأرض مقابل السلام إلى اتفاقات أوسلو وتوابعها ومفاعيلها, فقد ركب أرييل شارون وحكومته الليكودية العنصرية المتطرفة ومن بعد (ايهود أولمرت) موجة (الحرب على الإرهاب) وأفلت العقال لآلته العسكرية المتوحشة, لتضرب وتحرق وتقتل وتشرد وتعيد احتلال الأراضي الفلسطينية وترهب الشعب الفلسطيني وتحاصره وتنهب ثرواته أملاً في أن تنجح بتجويعه وتركيعه وحمله على (الزحف) على بطنه رافعاً راية الاستسلام في وجه (إسرائيل).‏

لكن هل يعني ذلك أن علينا الاستسلام للواقع الأليم والتواكل ورفع الرايات البيضاء? بالطبع لا فالمطلوب من العرب الآن قيادات وشعوباً وأفراداً أن يأخذوا العبرة والدروس والتجارب المريرة التي مرت بهم خلال الأعوام الماضية, وأن يعملوا على تحديد مواطن العلل والضعف, وأن يبحثوا عن أوراق القوة التي يمكن أن يستخدموها للدفاع عن قضاياهم ووجودهم وسمعتهم وهي كثيرة أولها توحيد الكلمة والصف واستخدام العقل والحكمة والكف عن تقديم الحجج والذرائع والخدمات المجانية للآخرين وللأعداء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية