تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«أوهام» شبكة الدرع الصاروخية الأميركية

شؤون سياسية
الأثنين 14-5-2012
د. محمد البطل*

لا ينظر إلى تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين، قبل أيام قليلة (5 أيار)، على أهميتها، بمعزل عن التطورات الجارية في روسيا، وتحالفاتها، وموازين القوى الدولية الراهنة والمستقبلية القريبة،

وبضمنها الحالة الأمريكية ما قبل انتخاباتها الرئاسية، كذلك الفرنسية أيضاً. وما تظهره هذه التصريحات من تشدد روسي تجاه قضايا تبدو للوهلة الأولى، وكأنها تندرج في سياق التباينات والخلافات الأميركية الروسية، على كثرتها، إنما تأتي عملياً في إطار المتغيرات الجارية روسياً ودولياً.‏

فقد انتقدت روسيا مراراً، وحذرت أيضاً من تداعيات بناء شبكة الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ في أوروبا، ونجحت في بداية ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما. في تجميد العمل بها، إلى جانب عوامل أخرى، في كل من بولندا وتشيكيا. ثم ما لبثت إدارة أوباما، أن عملت على توسيع نطاق بناء هذه الشبكة، وصولاً إلى الحدود الروسية الأوروبية، والتركية الروسية، ومؤخراً وخلال زيارة الوفود الأمريكية إلى مشيخات الخليج، ضم هذه البلدان من خلال بناء درع صاروخية أمريكية خليجية، تدفع تكاليفها دول الخليج طبعاً.‏

الجديد في تصريحات روغوزين، أنها أتت قبل أيام من عودة فلاديمير بوتين رئيساً إلى قصر الكرملين في السابع من أيار، والذي أشار في تصريحات عديدة له عزمه على تعزيز قوة الردع الروسية وزيادة موازنة وزارة الدفاع الروسية. كذلك بعد الإصرار الأمريكي غير المفهوم استراتيجياً، إنما ربما انتخابياً (قبل بدء التنافس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية نهاية هذا العام)، على ضرورة إنجاز هذه الشبكة أوروبياً، آسيوياً، وتالياً دولياً بحلول عام 2020.‏

فقد تضمنت تصريحات روغوزين مسألتين هامتين:‏

الأولى: (أن روسيا لن تسمح لأي دولة في العالم بإنشاء درع صاروخية من شأنها الإخلال بالتوازن الاستراتيجي القائم).‏

الثانية: (إن إقامة شبكة الدرع الصاروخية، أمريكية أو أطلسية، لا فرق استراتيجياً في ذلك، عبارة عن أوهام، وأن روسيا قادرة على شل عمل هذه الشبكة). إذ سبق لروسيا أن أعادت تشغيل شبكات صواريخ اسكندر القصيرة والمتوسطة المدى في منطقة كاليننغراد (الجيب الروسي المحاذي لبولندا)، إثر إعلان إدارة أوباما عن نشر مكونات أولية لشبكة الدرع الصاروخية في بعض الدول الأوروبية.‏

ويضاف إلى هاتين المسألتين الهامتين، ما أشار إليه روغوزين أيضاً، في سياق تصريحاته الآنفة الذكر، أن الهدف الأمريكي الأساسي من هذه المسألة، يتجلى في إرضاء المؤسسة العسكرية الأمريكية، واستنزاف الطاقات المالية للدول الأخرى، وبضمنهم «الحلفاء». إذ أكد خلال زيارته مجمع «ماشينوسترويني» الصناعي العسكري الروسي، أن روسيا قادرة لوحدها تعطيل هذا المسعى عملياتياً وعسكرياً. وأن موازين القوى الاستراتيجية القائمة لا تسمح لأمريكا، أو «حلفائها» الدخول في لعبة إحداث تغيير في موازين القوى الاستراتيجية. ويزداد هذا الموقف الروسي وضوحاً وهو الذي سعى وما يزال، إلى عدم العودة إلى أجواء الحرب الباردة، إلا إذ اضطره الأمر ذلك، ويحمل واشنطن تبعات هذا النهج. بسبب مما تعانيه أمريكا من أزمتها المالية الاقتصادية، التي لم ينجح أوباما خلال ولايته الرئاسية في إيجاد حلول لها كذلك أزمات حلفائها الأطلسيين، وبخاصة الأوروبيين، في الوقت الذي يشهد فيه العالم بروز أقطاب جديدة أبرزها مجموعة بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، والتي تشكل نحو 42 بالمئة من سكان العالم، ونحو 35 بالمئة من الاقتصاد العالمي، ويتوقع المراقبون أن تشغل الموقع الاقتصادي الأول عام 2014.‏

وتشهد هذه المجموعة نمواً وانتعاشاً اقتصادياً، وتوسيعاً لشبكة تحالفاتها الإقليمية والدولية، وما أحدثته من توازنات «أولية» في شبكة العلاقات الدولية القائمة.‏

يدرك روغوزين مغزى تصريحاته وآثارها، كذلك الرئيس الروسي بوتين، وهذا ما تحاول واشنطن تجاهله، حتى تاريخه، لكنها لن تستطيع إنجازه، فالمتغيرات والتطورات متحركة، والعالم يتجه نحو تعددية قطبية تنهي الهيمنة والأحادية الأمريكية ومن ضمنها مشروع شبكة الدرع الصاروخية.‏

 باحث في الشؤون الدولية‏

Batal-m@scs-net.org

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية