|
سانا - الثورة: فواشنطن ليس برغبتها أن تساعد الشعب السوري فتزيد المساعدات غير المميتة للمعارضة السورية رغبة منها بالكشف عن حسن النية والرغبة في إنهاء الأزمة وإحلال الأمن وعودة الاستقرار إلى البلاد... حتى وإن كانت تريد أن تعكس حسن نواياها فسوء النية كان واقعاً لا محالاً. يتخذ الموقف السياسي الامريكي حيال الازمة في سورية منحى زئبقيا تميل كفته حسب تطورات الاوضاع على الارض من جهة وتلونات المشهد السياسي الدولي من جهة أخرى حتى باتت تصريحات المسؤولين الامريكيين التي تتصف بالانية والضبابية وعدم الوضوح اكثر ارباكا لزبانيتها في العالم من أي وقت مضى كما فقدت صلاحيتها لدى المحللين الباحثين عن قراءة واقعية للسياسة الامريكية في المنطقة. وتبدو سياسة واشنطن التي يعبر عنها موظفو البيت الابيض والخارجية والبنتاغون مثقلة بمستجدات المشهد الدولي التي لا تخدم سياسة التفرد الامريكي وتدفع للاعتقاد بان العالم قادم لا محالة على خارطة سياسية جديدة مفتاحها الاساسي تعدد الاقطاب الذي تبشر به المواقف السياسية الحازمة لكل من روسيا والصين ومن ورائهما مجموعة بريكس التي تضم مجموعة من القوى السياسية والاقتصادية الصاعدة بقوة في الشرق والغرب والشمال والجنوب. ونظراً لخصوصية وحساسية الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به سورية في منطقة الشرق الاوسط فقد تجلى على اعتاب ازمتها المشهد الحقيقي للصراع الدائر على المستوى الدولي وبدا العالم منقسما بشكل حاد بين تيارين عالميين تنضوي تحتهما معظم الدول والتكتلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وان ظلت قيادتهما في يد القوى التقليدية الكبرى ممثلة بروسيا والصين من جهة وقوى الاستعمار القديم الجديد الولايات المتحدة بريطانيا فرنسا من جهة أخرى. وفي حين تكافح الجبهة العالمية المؤيدة لسورية بمعني الدولة لاحياء تقاليد الشرعية الدولية ومبادئ حقوق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام سيادة الدول المستقلة واعتماد الحوار كمدخل لحل الصراعات يصر محور الهيمنة على تكريس هيمنته والغاء دور المؤسسات الدولية المتمردة على قوانين القطب الواحد وتجيير القدرات الاقتصادية والامنية والاعلامية والعسكرية الهائلة للتدخل المباشر في شؤون الدول واحكام السيطرة على مقدرات الشعوب الامر الذي يفضح زيف ادعاءاتهم بدعم الديمقراطية. وتقدم القراءة المتأنية للتصريحات الامريكية حيال تطورات الاوضاع في سورية صورة واضحة للتملص السياسي الذي تتبعه واشنطن بعد ان فوجئت بجدارين حقيقيين منعاها من الوصول لاي اختراق في جدار الازمة في سورية يحقق مصالحها تمثلا بالصمود الاسطوري للشعب السوري ومؤسسات الدولة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية من جهة وتماسك جبهة الامان الدولية حول سورية التي تقودها روسيا والصين في مجلس الامن الدولي. وكان الرئيس الامريكي باراك اوباما قال الشهر الماضي ان الولايات المتحدة ستواصل العمل مع حلفائها لزيادة الدعم للمعارضة السورية ليقود بذلك حملة دبلوماسية امريكية حصرت هدفها برفض الاعتراف بالواقع والعمل لصنع واقع بديل عبر دعم المعارضة اعلاميا وسياسيا وماليا على اقل تقدير تعتمد عليه في رفض جميع دعوات الحوار والمضي بخيار العنف المسلح لاحداث التغيير بالقوة بعيدا عن كل شعارات الديمقراطية التي تنادي بها واشنطن. المندوبة الامريكية في مجلس الامن سوزان رايس فصلت في شرح موقف بلادها مما يجري في سورية بقولها ان واشنطن ستزيد المساعدات غير المميتة للمعارضة السورية لمساعدتها على توحيد صفوفها ودعمها موضحة ان ادارة اوباما تقدم مساعدات لوجستية وأخرى في الاتصالات للمعارضة لكنها احجمت عن تزويدها بالسلاح. ويرى مراقبون ان اعلان واشنطن عن رفض تقديم السلاح للمعارضة ينطوي على خبث سياسي اذ انها تعلم علم اليقين ان هذه المعارضة تحصل على السلاح من جهات أخرى ولا داعي للتورط في هذا المجال اذ ان مشيخات النفط اعلنت بوضوح وعلى الملأ انها ستقدم السلاح للمعارضة السورية وميليشاتها المسلحة وستوفر لها كل ما من شأنه ان يرفع قدراتها على القتل والتدمير وارتكاب المجازر. ويشكك متابعون للشأن الدبلوماسي الدولي بجدية رايس عندما اضافت نعتقد ان خطوة تسليح المعارضة ليست خطوة حكيمة متسائلين اذا كانت تعني ذلك بالفعل فلماذا لا تدعو صراحة تلك الاطراف التي تقدم السلاح للكف عن ذلك العبث والتمتع بالحكمة التي تتمتع هي بها وخاصة ان القاصي والداني يعلم ان الاوامر الامريكية مجابة بشدة لدى مشيخات النفط وحكومة حزب العدالة والتنمية التي تشكل المصدر الاساسي للدعم الذي يحصل عليه المسلحون الذين يقتلون الشعب السوري. ويبقى أخطر ما جاء على لسان رايس هو ما قالته عن التفجيرين الارهابيين اللذين وقعا قرب مفرق القزاز في دمشق في العاشر من الشهر الجاري حيث اكتفت بالقول ان تفجيري الخميس مثال كبير على ان الوضع اصبح عسكريا بالفعل وعنيفا بما يكفي وانه امر حكيم الا نساهم بضخ المزيد من الاسلحة والمعدات فهذا القول يعبر عن رضى بلادها عن مستوى التسليح الحالي ويكتفي بالدعوة للوقوف عنده حاليا وعدم ضخ المزيد من السلاح دون ان تصدر منها أي عبارة تشير الى ادانتها للتفجيرين وعدم رغبتها بتكرارهما او الاشارة للجهة المسؤولة عنهما رغم ان هناك قيادات امريكية أخرى اشارت الى تورط القاعدة فيهما كما ان احد اذرع القاعدة المدعو جبهة النصرة اعترف بمسؤوليته عن التفجيرين. واذا قاطعنا تصريحات رايس مع تصريحات ليون بانيتا وزير الدفاع الامريكي التي قال فيها ان الانفجارين اللذين شهدتهما العاصمة دمشق صباح الخميس يحملان بصمات تنظيم القاعدة ويذكران بتفجيراتها في العراق قبل سنوات فاننا سنصل الى محصلة اساسية تقول بان الولايات المتحدة تعرف الحقيقة ولكن تنكرها لاسباب تتعلق بها اقلها رغبتها بتواصل العنف في سورية مع بقاء المسؤولية معلقة لحين توفر الامكانية لاستثمارها سياسيا. وتوصلنا تصريحات بانيتا ورايس حول التفجيرات الارهابية الى الحديث عن خطة المبعوث الدولي الى سورية كوفي عنان التي طالما نظرت اليها واشنطن بريبة وشككت بفرص نجاحها وحاصرتها بكيل التهم جزافا للحكومة السورية والدعوات لاسقاط الدولة السورية لتعود اليوم وتري فيها افقا ممكنا للحل عكسته تصريحات رايس التي قالت اذا نفذت مبادرة عنان بشكل كامل فقد تنهي العنف وربما تكون هي الفرصة الاخيرة لمحاولة حل الازمة عبر الطرق السلمية. ويربط مراقبون بين تصريحات رايس الايجابية حول خطة عنان وتصريحات بانيتا حول تسلل تنظيم القاعدة ومجموعات أصولية أخرى الى سورية في الاونة الاخيرة مؤكدين ان الولايات المتحدة تتعامل مع القاعدة كشماعة تعلق عليها فشلها وتستجدي من خلالها الدعم لخططها ومشاريعها وكلما تصاعد الحديث الامريكي عن القاعدة في سورية فان ذلك يشير الى محاولة تغيير ما في السياسة الامريكية وتتخذ من وجود القاعدة مبررا للانسحاب التكتيكي من المواجهة الفاشلة وترك حلفائها يتخبطون فيما جنت ايديهم. وفي المحصلة فان ترحيب واشنطن بخطة عنان تارة وتوجيه النيران اليها تارة أخرى وانكار وجود الارهاب والقاعدة في سورية في ظرف ما والاعتراف العلني بوجودهما في ظرف مختلف والاشادة بالمعارضة مرة وانتقاد سلوكها وأعمالها وخططها في مرة أخرى تشكل ادلة على البراغماتية التي تتصف بها السياسة الخارجية الامريكية القائمة على المصالح بعيدا عن أي اعتبارات أخرى مقابل الثبات والوضوح والمبدئية التي تتصف بها مواقف روسيا والصين اصدقاء سورية الفعليين. |
|