|
بقلم: باتريك كوكبرن إزاء عدم تورعه عن القضاء على خصومه داخل وخارج العائلة المالكة بغية تحقيق هدفه في الوصول إلى العرش وقد دفع هذا بالأمير المتهور والمزاجي الطبع إلى ارتكاب مغامرات عشوائية جاءت معاكسة لما يصبو إليه. إذ إنه ما إن تولى والده عرش المملكة في مطلع عام 2015، حتى بادر إلى مؤازرة ودعم المجموعات الارهابية في سورية، ومناهضة الوجود العسكري الروسي الذي كان له دور في النصر الذي تحقق لسورية. وتزامنت تصرفاته تلك مع القيام بالتدخل العسكري السعودي في اليمن عبر عمليات جوية دعيت بعاصفة الحسم، لكن على الرغم من مرور سنتين ونصف على بدء الحرب على هذا البلد فما زالت الحرب قائمة ومستمرة مفضية إلى مصرع أكثر من 10 ألاف مدني وإدخال أكثر من سبعة ملايين يمني في دوامة من الجوع والتشرد. نهج ولي العهد في سياسته الخارجية إلى مناصبة العداء لإيران وحلفائها الإقليميين، لكن ما حصل على أرض الواقع لم يحقق سوى تزايد في النفوذ الإيراني. أما خلافه مع قطر (وشاركته به الإمارات العربية) الذي بدأ منذ خمسة شهور فقد اقتصر أمره على الحصار الاقتصادي جوا وبحرا ومازال مستمرا حتى هذا الحين بادعاء أن أسبابه تعود لقيام قطر بدعم المنظمات التابعة للقاعدة من جهة (علما بأنه لم يعد خافيا على أحد بأن هذا الدعم كان متوازيا مع دعم تقدمه المملكة السعودية) ولارتباطاتها مع إيران من جهة ثانية. لكن الواقع يؤكد أن ما نفذ من حصار وعداء لتلك الدولة الصغيرة الثرية هو من دفع بها إلى الحضن الإيراني. دأبت السعودية على اتباع الحيطة والحذر في علاقاتها مع الدول الأخرى وذلك بهدف المحافظة على الوضع القائم لديها. لكنه يبدو بأن تصرفاتها في هذه الآونة قد اتسمت بالحماقة وعدم التبصر بالنتائج على غرار ما أقدمت عليه باستدعائها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الرياض ومنعه من المغادرة وارغامه على إعلان استقالته من منصبه، حيث بدا ذلك للجميع بأن تلك الخطوة لم تكن مدروسة ولم يكن الهدف منها سوى إضعاف حزب الله وإيران. لقد أصبح القاسم المشترك بين سائر التصرفات السعودية هو الاستناد إلى فرضيات ساذجة تقوم على حتمية الفوز، وبذلك نستطيع القول بأن السعودية قد أقحمت نفسها في صراعات ومواجهات أدخلتها في دوامة لا تعلم سبيلا للخلاص منها. ثمة قناعة تسود لدى محمد بن سلمان ومستشاريه بعدم ضرورة الاكتراث بمواقف وآراء الشعب اليمني أو القطري أو اللبناني طالما أنه مازال يتلقى الدعم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط جاريد كوشنير، خاصة بعد وقوفهم على آراء ترامب الذي قال: «لدي ثقة كبيرة بالملك سلمان وولي العهد السعودي، فهما على علم تام بما يجب القيام به». وكتب أيضا في تغريدة أخرى على موقع توتير مطلع شهر تشرين الثاني بعد اعتقال الأمير محمد لحوالي 200 عضو من العائلة الحاكمة السعودية قائلا: «بأن أولئك الأشخاص كانوا يسعون إلى استغلال البلاد لتحقيق مآربهم الشخصية»، وفي تغريدة أخرى له أعرب عن تأييده لمحاولة عزل قطر باعتبارها دولة مؤيدة «للإرهاب» يبدو أن المملكة العربية السعودية قد أصبحت على يقين بأن الدعم المقدم لها من البيت الأبيض في الفترة الأخيرة قد أصبح أقل مما كانت تحظى به في السابق. وأن موافقة ترامب على نهجها لا تعني البتة موافقة كافة أطراف في الحكومة الأميركية، لأن كلا من وزارة الخارجية والبنتاغون لم يبديا تأييدهما لتغريدة ترامب الأخيرة. وعلى الرغم من تغريدات ترامب المؤيدة للسياسة السعودية فإن تلك الأطراف لا تدعم المواجهة السعودية مع قطر أو محاولة إرغام الحريري على الاستقالة من رئاسة وزراء لبنان. يعتقد البيت الأبيض بأن ثمة حدود وسقف للنفوذ السعودي في المنطقة. إذ ليس لدى محمد بن سلمان القدرة على إرغام الزعيم الفلسطيني محمود عباس بالموافقة على خطة سلام ترعاها الولايات المتحدة تقوم على منح إسرائيل الكثير من المزايا وتسلب الفلسطينيين الكثير من حقوقهم. كما أن مقولة التحالف السري السعودي الإسرائيلي ضد إيران التي وجدت صدا لها لدى بعض مراكز الدراسات في واشنطن، لم يتحقق لها الأثر المرغوب في أرض الواقع. يؤكد الواقع بأن السعودية قد باتت معزولة في الوقت الراهن، نتيجة للتغيير الحاصل في موازين القوى في المنطقة خلال السنتين الماضيتين. ومن تلك التغييرات أنه بعد ترقية بن سلمان وتحديدا بحلول عام 2015 أصبح من الواضح بأن محاولات كل من السعودية وقطر وتركيا في إسقاط سورية قد باءت بالفشل. واصبحت الكفة تميل باتجاه المحور الذي تقوده إيران ويحظى بدعم روسيا، وهو بات يشكل قوة ذات أهمية في شمال الشرق الأوسط من أفغانستان إلى البحر المتوسط. لقد فات الأوان على أي إجراء يمكن أن تتخذه واشنطن والرياض لإضعاف هذا المحور، وأصبح العديد من الدول على ثقة ومعرفة بالرابح والخاسر الأمر الذي حدا بها إلى الابتعاد عن الجانب الذي ظهرت معالم خسارته. وفي هذا السياق، شهدنا رجب طيب أردوغان يبادر في الدعوة لاجتماع منظمة التعاون الإسلامي في استنبول، تلك المنظمة التي تضم في عضويتها 57 دولة إسلامية، وذلك بهدف الاعراب عن استنكار وإدانة القرار الأميركي حيال القدس، حيث أرسلت السعودية تمثيلا ضعيفا لهذا الاجتماع. في الحين الذي تمثلت به دول أخرى برؤسائها مثل الرئيس الإيراني حسن روحاني، وملك الأردن عبد الله، وأمراء الكويت وقطر ودول أخرى كانوا من الحاضرين لهذا الاجتماع، حيث أقر الجميع بأن القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين وطالبوا بإلغاء القرار الأميركي. لا ريب بأن محمد بن سلمان يحاكي في أساليبه ذات الطرق التي ينهجها القادة التقليديون في سائر أنحاء العالم بإبدائه مهارات ميكافيلية في توطيد سلطته. وكان لنجاحه داخليا الأثر البعيد في إعطائه شعورا مبالغا به على قدرته على التعامل مع الشؤون الخارجية بذات النهج، الأمر الذي قد يقود به إلى نتائج لا تحمد عقباها. أخطاء كثيرة سبق لزعماء أقوياء أن ارتكبوها نجد تفسيرها بحالات الأنانية والجهل التي تكتنفهم، إضافة إلى التملق والتضليل الذي يتلقونه من بطانتهم. وقد تكون الخطوات الأولى للتدخل الخارجي مبهرة ومغرية حيث يستطيع القائد تقديم نفسه باعتباره شخصية وطنية الأمر الذي يمكنه من احتكار السلطة ويكسبه شعبية واسعة. ويبدو أن محمد بن سلمان قد اتخذ ذات المسار بإصداره قرارات متهورة جعل بها السعودية تأخذ دورا عدائيا في الحين الذي تتراجع به قوتها الاقتصادية والسياسية الحقيقية. |
|