تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وعــد ترامــب المشـــؤوم والفــرص المتاحــة لمنــعه

متابعات سياسية
الاثنين 25-12-2017
عبد الحليم سعود

دفع القرار المشؤوم والأرعن الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص مدينة القدس المحتلة، ونيته وعزمه على نقل سفارة بلاده للمدينة المقدسة كتكريس للاحتلال الصهيوني لها وتأكيد على الاعتراف الأميركي بها كعاصمة للاحتلال في تحد سافر لمشاعر مئات الملايين في الأمتين العربية والإسلامية،

بمراوحة كبيرة من ردود الأفعال المنددة والرافضة لهذا القرار غير الشرعي وغير القانوني على مستوى العالم ما طرح جملة من الأسئلة حول مصير القرار الأميركي وإمكانية ردع ترامب عن استكمال مغامرته المجنونة.‏

ولعل السؤال الأكثر إلحاحا هنا هو كيف يمكن الاستفادة من الزخم العالمي الذي أحدثته قضية القدس وتحويله إلى حالة عزلة مستمرة لأميركا داخل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة كدولة خارجة على القانون والشرعية الدولية، بعد أن «غردت» خارج سرب العالم وخارج إجماعه، وتم دحض مزاعمها بالبينة والدليل القاطع بأنها لا تريد السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وسعيها ورعايتها للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يظهر انحيازها الوقح للجلاد على حساب الضحية، عدا عن ظهور واشنطن بصورة سافرة كقوة تهديد وعدوان لا تقيم وزنا للقانون الدولي ولا للقرارات الأممية التي وافقت عليها الولايات المتحدة نفسها..؟!‏

من المرجح أن ترامب لم يدرس قراره الظالم والأرعن جيداً بحيث اتخذه دون التبصر بحجم التداعيات المترتبة عليه أو الناجمة عنه، ولم يحسن تقدير الموقف والعواقب عبر استناده إلى معطيات خاطئة ومضللة، والأرجح هنا أن شيطانه «نتنياهو» قد زيّن له الأمر وأغراه بالمغامرة بعد أن سخّف له الردود المتوقعة عليه بسبب حصول الأخير على ضمانات من بعض الأنظمة العربية ومنها النظام السعودي بأن الموقف العربي الرسمي لن يخرج عن إطار رفع العتب وبيانات الشجب والإدانة والاستنكار المعتادة التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به، غير أن ما جرى حتى الآن في فلسطين المحتلة من انتفاضة شعبية عارمة ومظاهرات غضب واحتجاج، أو ما جرى في أروقة مجلس الأمن والجمعية العمومية من مواقف شجاعة عزلت أميركا وعرّت مواقفها، كان مفاجئا لترامب ونتنياهو معاً وربما لبعض المتورطين من العرب الرسميين في هذه الصفقة القذرة، بحيث اضطرت إدارة ترامب لإماطة اللثام عن وقاحة غير متوقعة بتهديدها الدول التي رفضت القرار الأميركي وصوتت لصالح الحق الفلسطيني بالقدس، بقطع المساعدات المالية والإنسانية عنها، ما يؤكد أن المساعدات التي تقدمها واشنطن لبعض الدول لها ثمن سياسي باهظ وليست مجانية أو إنسانية كما يدعي المسؤولون الأميركيون.‏

ورغم ما جرى حتى اليوم من مواقف جريئة وضاغطة على الولايات المتحدة، ليس هناك شعور كاف بأن ترامب يمكن أن يتراجع عن قراره بهذه السهولة أو أن يتخلى نتنياهو عن حلمه بتهويد القدس وجعلها عاصمة أبدية لكيانه الغاصب، ويقينا ما لم تتضرر المصالح الأميركية والصهيونية ويقتنع الطرفان بأن قضية القدس المحتلة هي خط أحمر لا يجوز تجاوزه، وأن كلفة تنفيذ هذا القرار ستكون باهظة لا يمكن تحملها.‏

في الحالة العربية الراهنة باستثناء محور المقاومة الذي يجابه ويواجه ويفشل المخططات والمشاريع الأميركية والصهيونية ليس هناك نظام عربي واحد يجرؤ على التفكير بقطع علاقاته مع أميركا أو المس بمصالحها بأي حال من الأحوال، في حين لا تستطيع دول العالم المناصرة لقضية فلسطين أن تكون ملكية أكثر من أصحاب القضية أنفسهم، فإذا استمر الفلسطينيون بحالة الانقسام والتشرذم وواصلت السلطة الفلسطينية لعبة المفاوضات العبثية وتقديم التنازلات المجانية وتمسكت الجامعة العربية بطرح مبادرتها الذليلة «للسلام» فلن يبقى الموقف الدولي على حاله، وقد نشهد فتورا وهبوطا في الموقف الدولي يسمح لواشنطن وتل أبيب بالمضي قدما في خطوات نقل السفارة الأميركية وتكريس القدس كعاصمة للكيان الصهيوني الغاصب.‏

أكثر ما يخدم قضية القدس في هذه الفترة هو استكمال محور المقاومة انتصاراته في سورية ضد الجماعات الارهابية التكفيرية وأدوات المشروع الصهيوني الأميركي الرجعي، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وتقديم الدعم المادي والمعنوي بأشكاله المختلفة له ولانتفاضته المباركة في وجه الاحتلال، لإحداث الارتباك والقلق داخل الكيان الصهيوني بحيث يشعر حكامه أن القرار الأميركي مكلف وله تبعات لا يمكن احتمالها، والتواصل مع دول العالم التي رفضت القرار الأميركي وناصرت قضية القدس لتعزيز صمودها في وجه الضغوط الأميركية، والتعاون مع الدول الكبرى كروسيا والصين ومجموعة بريكس من أجل الضغط على واشنطن للتراجع عن قرارها، واستمرار عرض القضية في مجلس الأمن لإضعاف الموقف الأميركي وإظهار حقيقة واشنطن كعدو للسلام والاستقرار، بحيث يفقد القرار الأميركي زخمه وتضطر إدارة أميركية جديدة لسحبه من التداول.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية