تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رأي.. الوجـه الآخر لقمـر الحقيقـة

ثقافة
الاثنين 25-12-2017
سوزان إبراهيم

قرأتُ مؤخراً خبراً مفاده أن «ريّا وأختها سكينة» سفّاحتا الإسكندرية الشهيرتان, قد تكونان بريئتين, وأن الجثث التي وُجدت في بيتهما ربما كانت لجنود أو أشخاص قتلهم الاحتلال الانكليزي لمصر آنذاك. بعد أكثر من 90 عاماً على تلك الحادثة, يبدو أن هناك شكّاً في مجريات محاكمتهما, وأن ظروفاً معينة ساعدت في إلباسهما التهمة.

دون الدخول في تفاصيل حكاية الفيلم الجميل: (American Beauity- الجمال الأمريكي) بطولة المتألق Kevin Spacey, بشخصية لِستر بيرنهام, أود الإشارة فقط إلى علاقة لِستر بابن الجيران Buddy الذي يعشق التصوير الحي, أي الفيديو, إنه يصوّر كل تفصيل يثير انتباهه, كمن يعيش الحياة بعين الكاميرا, أما والد «بادي» فهو ضابط بحرية متقاعد, أبٌ صارم وقاسٍ في التعامل مع ابنه وزوجته, يلاحق ولده خشية تورطه بتعاطي المخدرات, والحقيقة أن الابن كان يفعل, بل ويتاجر بالمخدرات, وقد نجح جداً في التلاعب حتى باختبارات تحليل البول المفروض عليه كل ستة أشهر. علاقة لِستر بذلك الجار الابن, لم تتعدَ بيع الثاني المخدرات للأول, ووقوع الفتى في حب ابنة لستر.‏

نتيجة ملاحقة الأب الصارم لابنه وتفتيش غرفته, يجد كاميرته, ويطلع على محتوياتها: إنه مقطع فيديو ليلي يظهر فيه «لستر» عارياً وهو يمارس رياضة ما في غرفته, بينما التقط الابن المشهد من نافذته المطلة على بيت الجيران. في مشهد آخر من الفيلم يرى الأب ابنه في غرفة «لستر», إن ما يراه عبر النافذة, يشير, وحسب منظوره وتحليله للمشهد, بأن ثمة علاقة حميمة بين الرجلين. النتيجة الخاطئة لتحليل المشهد تنتهي بجريمة قتل «لستر».‏

في فيلم (wild tales) وهو فيلم أرجنتيني إسباني إنتاج عام 2014, هناك ست قصص, منفصلة متصلة, ثمة قصة بعنوان «El más fuerte» «The Strongest», أي الأقوى, يتناول الفيلم القصير هنا, حكاية رجل «دييغو» يقود سيارته في طريق واسع, محاولاً تجاوز سيارة قديمة بطيئة يبدو أن سائقها «ماريو» غير مكترث بمن خلفه, بعد أن يفلح «دييغو» أخيراً في تجاوز سيارة «ماريو» يهينه برفع إصبعه الوسطى بوجه ذلك البليد العنيد.‏

قد يبدو لنا أن الأمر انتهى هنا, لكن الأمر لم يكن كذلك, لقد قاد ذلك إلى عراكٍ بين الرجلين, بعد أن أصيبت سيارة دييغو بعطل وتوقف على جانب الطريق, ومع وصول ماريو بدأت الأحداث تتلاحق وتتداعى وكلٌّ منهما يحاول قتل الآخر, لتقود إلى انفجار السيارة التي يتعاركان داخلها بشراسة. اللقطة الفاصلة في الفيلم تأتي على لسان المحقق الذي يُسأل عن رأيه في هذا الحادث, فيقول: يبدو أنها جريمة شهوة, وعين الكاميرا ترصد هيكلين متفحمين متعانقين!‏

ما الذي تقوله الأمثلة التي أوردتها آنفاً؟!‏

إنها ببساطة تقول: إن الحقيقة ليست دائماً ما تبدو عليه لمن يراها من زاويته هو, لأن للحقيقة وجهاً آخر لم تتحْ له زاويته في الرؤية أن يرصده ويجمعه إلى نصف الإجابة التي توصّل إليها.‏

إنها نسبية آنشتاين التي قلبت موازين الكون والأشياء: لاحقيقة مطلقة في هذا الكون.. لأن الحقيقة نسبية, متبدلة حسب زاوية الرؤية, وحسب تطور أدوات الاكتشاف, وحسب تطور العلوم ومعارف الإنسان!‏

لا تدّعي أبداً أنك وحدك من يملك الحقيقة, فللقمر المضيء هنا, وجه معتم هناك!‏

suzan_ib@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية