تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نور الدين فارح..صاحب الثلاثيات الروائية الشهيرة

فضاءات ثقافية
الثلاثاء 5-2-2013
لميس علي

بهذا التوصيف يحلو للدوريات الثقافية الغربية (أميركية، بريطانية، أفريقية) أن تشير للروائي الصومالي نور الدين فارح.. وبعضها تفضّل وصفه بأحد الروّاد الأفارقة لمدرسة ما بعد الكولونيالية.

ولد نور الدين في الصومال وبه نشأ.. وفي الهند درس. سافر إلى كثير من بلاد العالم ويقيم حالياً في إفريقيا (كيب تاون).‏

كانت خياراته دائماً صوب الانغماس أكثر بالثقافات القديمة شرقاً، أو صوب التنقّل بين مختلف بلدان القارة السمراء (نيجيريا، غامبيا، جيبوتي، جنوب أفريقيا).. وكأنما أراد الالتصاق بعوالم تصقل موهبته وتغذي خياله. أراد تحقيق أصالة الانتماء وممارسته فعلاً لا كتابة فحسب.. ولهذا يبدو توصيفه وإدراجه ضمن رواد ما بعد الكولونيالية.. توصيفاً دقيقاً ومنصفاً.‏

في جنوب الصومال بمدينة بيدوا في تشرين الثاني عام 1945 ولد نور الدين لأب تاجر وأم شاعرة. أنهى تعليمه الأساسي في مدينة قلافو بالإقليم الغربي. درس اللغة الإنكليزية والأمهرية. انتقل إلى مقديشو عام 1963، ومنها إلى الهند وهناك درس الفلسفة والأدب وعلم الاجتماع في جامعة البنجاب.‏

بدأ الكتابة وهو لا يزال يدرس في الهند. ومنذ عام 1970 أخذ يكتب باللغة الإنكليزية.. ولربما سهّل عليه ذلك الانتشار عالمياً.. وهو الذي لم يزل قليل الانتشار عربياً.. ويؤكّد دائماً أنه ابن الثقافتين العربية والإفريقية.‏

جرأته في توصيف حال بلاده أدّت إلى ابتعاده عنه مدة اثنين وعشرين عاماً خوفاً من رد فعل سلطات بلاده على كتاباته التي فضحت الاستبداد القائم أيام سياد بري (سيد باري).‏

ومن أهم الموضوعات التي جال بها قلم «فارح» كان مناصرة المرأة والمجاهرة بحقوقها.. كاشفاً بأعماله مدى القهر والظلم اللذين تعاني منهما المرأة الصومالية.‏

من أعماله، رواية «خرائط» و تُعتبر برأي النقاد أهم رواياته وأشهرها.. كتبها عام 1986, وهي العمل الثاني ضمن ثلاثيته الثانية (دماء في الشمس).. وله ثلاثية (حليب حلو ومر، ساردين، اقفل يا سمسم).‏

في (خرائطه) يسرد قصة اليتيم عسكر.. الذي وقبل أن يولد يفقد أباه في الحرب الدموية بين الصومال وأثيوبيا.. وتموت أمه أثناء ولادته.‏

رحلة عسكر تقوده بدايةً للعيش في قرية (مصرا) التي يشعر فيها بالاختناق ولا يكاد يعثر على نفسه.. فينتقل للعيش مع أسرة خاله في مقديشو وهناك يدخل العمل السياسي.. ومنه يبدأ بتحديد معنى لوجوده.‏

واقع بلاده بما اتسم به من حرب وتمزّق وانقسام.. لاشك انعكس فيما كتب فارح روائياً.. ويركّب دائماً ما يسرد من أحداث ضمن سياق فلسفي يحيل إلى فهم عميق لمجريات الأمور. يوظف في بنية نصه الفلسفات والأساطير الآسيوية القديمة.. ويصل إلى الحضارة الهندية.. وربما كان لدراسته في الهند تأثير واضح في هذا المجال.‏

امتلاؤه بسحر الكلمة وامتهانه الأدب لم يمنعاه من مراقبة الحاصل اجتماعياً وسياسياً لاسيما بين الدول الأفريقية.. ويدرك أن مشكلة الحدود وصعوبة الانتقال بين هذه البلدان يعوق التنمية والتواصل فيما بينها.‏

في محاضرة ألقاها في القاهرة يتنبّه وينبّه إلى خطورة الحدود، فيقول:‏

(الحدود غير الواضحة التي خططها المستعمر، والصعوبات الجمة في الانتقال داخل أفريقيا أدت إلى إيجاد تصادمات لانهائية بين الدول الأفريقية، وإلى خلق مواقف معقدة، وهذا يعوقنا عن التواصل والتنمية، فالخرائط في أفريقيا لم تزل كما هي منذ القرن التاسع عشر، وقد تركت فينا القوى الاستعمارية التي قسمتنا بصورة خاطئة أثراً عميقاً لا يزال مستمراً على المدى الطويل، يمتد إلى السياسة والاقتصاد والمجتمع، فالحدود الحالية تقف في وجوهنا جميعاً، في حين أن هذه الحدود لم تعد موجودة في أوروبا).‏

ويصل إلى التساؤل: لماذا نترك الحدود التي اخترعها المحتل تتحكّم في مستقبلنا وعلاقاتنا؟‏

من الجوائز التي حازها «فارح»: جائزة كافور بريميو في إيطاليا، جائزة كورت توشولسكي في السويد، جائزة أوليسيس يتر في برلين عام 1998، جائزة نيو ستاد الأدبية عن مجمل أعماله عام 1998، و تعتبر أهم جائزة أدبية بعد نوبل التي رُشّح لها لكنه لم يفز بها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية