|
شؤون سياسية ولعلنا صرنا الآن في منطقة الطرح الكلي والاختيارات الجذرية فالدم والشهيد والكرامة والعرض ومايدخل في هذه الاعتبارات لايمكن له أن يلين أو أن يُزاح جانباً ثم يأتي من يقول الآن تعالوا لنتفاهم ولنتقاسم، هذا توجه مضاد للوجود الحر والكريم للبشر وهو منطق استعماري موصوف حيث تنجز القوى المعادية الجريمة ثم تتحول لكي تنجز حلولاً ملفقة يدفع الوطن والمواطن فيها الثمن المؤلم والدامي مرتين، مرة في الجريمة ومن خلالها وأخرى في تلفيق الحلول وطرح المخارج المصطنعة على قاعدة القفز فوق الحقائق وتجاوز الفعل الإجرامي الاستعماري، وإذا كان هناك من خارج الوطن ومن داخله من يتقبل فكرة الحل الملفّق فإن تيار الجماهير الأساسي والكتلة العامة للشعب لاتقبل ذلك ولن تتعامل مع ذلك، وفي الأحداث الكبرى لابد من ثلاثة عناصر أساسية هي التي تؤسس لوعي الحدث وهي التي تضبط حركة فعل كل طرف ورد فعل كل طرف في الصراع. أما العنصر الأول الناظم والضابط فهو مشروعية الحدث بأساسه النظري وبمداه السياسي وبتطبيقاته الواقعية على الأرض وبين البشر وإذا ماطبقنا هذا العنصر علىمايجري في سورية فإن المشروعية هي اختلاق وافتعال عند كل القوى الداخلة في المؤامرة فالشعارات المطروحة لديهم والمبررات الملقاة في ميادين الصراع إن هذه إلا ذرائع تضيف تعقيداً للأزمة وهي ذات منشأ خارجي وجوهر صهيوني وغايات تدميرية وإن رفعت لافتات حقوق الإنسان والجهاد الديني ونجدة الشعب السوري من ذاته، هذه القصة في الخط الآخر تصطدم مع كل يوم ولحظة بالمشروعية التي يمتلكها الوطن السوري وهو يتصدى للإرهاب ويدافع عن سيادة الوطن وهكذا فنحن أمام تناقض بلا حدود في مفهوم المشروعية، هناك من يريدها ذريعة للعدوان ونحن نريدها حقيقة منبثقة من أخلاقية الموقف وضرورات المواجهة الوطنية ومصيرية النسق الذي نتخذه في الرد والردع معاً على المؤامرة الكبرى، وأما العنصر الثاني الحاكم والضابط بوقائع الصراع المحتدم فهو المصداقية، أي أن يكون هناك مستوى واضح من تطبيق الشعارات بالمواقف وتلبية الحاجات الوطنية الكبرى في كل مستويات الرد، والتضحيات والاستمرار معاً هما الصيغتان الأكثر تعبيراً عن عنصر المصداقية. هذا مايتقدم بكثافة وحرارة ليفرض وجوده في طريقة التعامل مع العدوان الصهيوني على مركز البحوث العلمية في جمرايا بما يتماهى مع مواجهة الإرهاب والإرهابيين في أرض الواقع وفي كل ميدان ومنطقة، وإذا كان هذا العدوان هو فصل عضوي من المخطط الكبير في الاصطفاف ضد سورية فإن الرد عليه هو نتيجة طبيعية إضافة إلى كونه واجباً وطنياً وسلوكاً أخلاقياً يُنجز كل شروط الصدق والمصداقية في الرؤية السورية وفي المواجهة السورية ذاتها وجدير بنا أن نستذكر أن عنصر المصداقية في الأحداث الكبرى يأتي معمداً بالدم والشهداء وانتشار روح المسؤولية وتغير جذري في سلوك البشر وإعادة توزيع الخيرات الوطنية بما ينسجم مع اللحظة الصعبة إلى أن تصل السلسلة هذه إلى مستقرها عبر تدفق التضحيات وظهور نمط نوعي من السلوكيات والأخلاقيات في الحياة الاجتماعية تدل على أن المصداقية فعلت فعلها، وفي اتساق وحدة العنصرين أعني المشروعية والمصداقية لامجال للتردد أو الترهل ومادام العدوان واحداً ومادام العدو واحداً على اختلاف التسميات والمواقع وأساليب الجريمة فإن الرد عندها لابد أن يكون واحداً موحداً، والذي يختلف في هذا الرد هو طريقة الأداء فيه مع العدوان الخارجي ونوعية وسائط الصراع اللازمة لتنفيذ هذا الرد، والرسالة واحدة للمثلث المشؤوم والملعون أعني القوى الاستعمارية الغربية في مصدرها وأذرعة الإرهاب في الداخل السوري والعدوان الدائم الإسرائيلي على بلادنا وعلى قضايانا، ثم يأتي دور العنصر الثالث من العناصر الحاكمة والضابطة للصراع القائم عبر الحدث الصوري وهو المتمثل بالواقعية أي أن يكون الواقع بما يجري فيه هو موطن الاستمداد لكل سلوك ومقياس أي حركة أو تحرك مادي أو معنوي في هذا الرد، وأهم منجزات الواقعية عادة كونها تنقل السلوك في مثل هذه الحال الناشئة في بلدنا من مستوى رد الفعل على فعل إلى مستوى الفعل على فعل وهذا يتطلب أن نستأثر بمصادر ومقومات الفعل الذي نريد ولاسيما من خلال الزمان والمكان والوسائل والمدى الذي نطلق فيه هذا الفعل، إن كثيراً من تشعبات الأسئلة تلقي بثقلها الآن على الوعي العام والحياة الشعبية في سورية بل في كل أنحاء العالم والواقعية تفترض استدعاء عنصر المصداقية كما شرحناه لكي تتجذر يقينية الرد على العدوان الإسرائيلي محكومة بمسؤولية ورسوخ هذا الرد كما نريده نحن لاكما يتوقعه العدو ولاكما تسعى أطراف كثيرة لتبريره وتحويله إلى نقطة مساومة على الحال كله، الرد حقيقة واقعة ولو بعد حين وشروط الرد عسكرياً وسياسياً وواقعياً هي معايير وطنية سورية ولايحق لأي طرف أو لأي ضغط بالمشاعر والوجدان أن يسحب هذه المعايير من الحاضنة الوطنية إلى اعتبارات عصبية أحياناً وعصابية أحياناً أخرى، لعله في اعتبارات هذا العمق المؤسس بين يقينية الرد الحاسم والحازم وشروط الرد الوطني القادم لعل في ذلك مجالاً رحباً وخصباً في هذه اللحظة لكي يقوم الإعلام بدور غير نمطي وغير إيقاعي كماهو الحال في سبيل أن يتم التركيز على مشروعية الرد ومصداقية أسبابه ولحظة الوصول إليه. |
|