تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المحاكم العسكرية الأميركية.. من عولمة التعذيب إلى مصادرة الحريات

عن موقع WSWS.ORG
ترجمة
الأثنين 7-5-2012
ترجمة: حسن حسن

خلف الأسلاك الشائكة التي تنتصب في معسكر الاعتقال في خليج غوانتانامو الكوبي ، عادت «المحاكم العسكرية» الأميركية لتستأنف محاكماتها العادية بدفع من حكومة أوباما الحالية.

جلسات الاستماع الأولية والتي سوف تتناول قضيتين ، وستتم برئاسة القاضي العسكري، كولونيل سلاح البر الأميركي جيمس بوهي ، وبحضور هيئة محلفين من خيرة الضباط الأميركيين ، أما المتهمون فهم ممن يستحقون عقوبة الإعدام.‏

القضية الأولى هي للحكم بالإعدام على عبد الرحيم الناشري ، المتهم بأنه كان مهندس التفجير الانتحاري الذي وقع في 12 تشرين الأول عام 2000 ضد المدمرة يو إس إس كول في عرض المياه اليمنية ، حيث لقي 17 بحاراً أميركيا حتفهم . أما القضية الثانية فتتعلق بـ« خالد شيخ محمد» وأربعة آخرين متهمين بالوقوف وراء تفجيرات 11 أيلول 2001 وقد حددت قراءة واقعة الاتهام في 5 أيار الجاري الطابع المميز لهذا النوع من « العدالة» العسكرية تبرزه طلبات الالتماس المقدمة بخصوص قضية الناشري. فقد طلب محامو هذا السوداني البالغ من العمر 47 عاماً، والذي هو قيد الاحتجاز منذ 2002،بادئ الأمر من قبل السي أي ايه . ومن ثم الجيش ، من القاضي بألا يظل مقيداً بالأرض عند التحدث إليه، وذلك خلافاً للإجراء المعتاد في معتقل غوانتانامو.‏

وقال المحامون إن هذا النوع من التقييد ، سوف يمنع الناشري التحضير لدفاعه لأنه سوف ينكأ الجراح والآلام التي تعرض لها وهو في نفس الوضعية خلال سنوات التعذيب التي تعرض لها في معتقله على أيدي وكالة الاستخبارات سي أي إيه وقد أثار الالتماس قضية أخرى ، وهي ماإذا كانت وسائل الإعلام مخولة بالاستماع إلى الناشري وهو يتحدث عن عملية تعذيبه، أو أن هذه الشهادة ستجري خلف أبواب مغلقة . القاضي العسكري تفادى الصعوب بالإجابة على الالتماس دون الطلب إلى الناشري الإدلاء بشهادته.‏

ويعود السبب في رفض نشر هذه المعلومات عن التعذيب ، إلى أن تقرير المفتش العام في السي آي إيه عام 2004 والذي شطب الكثير من المعلومات الواردة فيه يعطي فكرة عن الأساليب الإجرامية التي تعرض لها الناشري ، هذا التقرير يعترف أن الناشري خضع 83 مرة للإغراق : أي ربط المعتقل على لوح من الخشب ، ووضع غطاء من البلاستيك على وجهه ، وصب الماء على وجهه أو اغراقه في حوض مليء بالماء، وعندها لايتمكن المعتقل في هذه الحالة من احتمال أكثر من بضع ثوان، تقنية التعذيب هذه تعتبر جريمة حرب بعد الحرب العالمية الثانية، وثمة تقنية أخرى« غير مسموح بها» وهي أسلوب بطح الأسير على ظهره ويداه مكبلتان من الخلف ، بهدف احداث آلام فظيعة في اليدين عبر ضغط الجسد عليها ، مع استخدام الهراوة و ثقل جسد المحقق للضغط على أعلى صدر الأسير، بهدف انتزاع موافقته على الاعتراف تحت ضغط الآلام المبرحة ، كذلك تهديد المعتقل بالاغتصاب والاعتداء الجنسي عليه أو على زوجته وذويه.‏

والمحققون متهمون أيضاً باستخدام الدخان «كتقنية تحقيق استقصائية» لكنهم يدافعون عن أنفسهم بالقول: إنهم لم يكونوا يدخنون إلا لتغطية الروائح الكريهة التي تفوح من زنزانة الناشري المحتجز بها طيلة النهار.‏

عمليات التعذيب تلك مكنت الحصول على اعترافات من الناشري وليس حول تفجير المدمرة كول، و إنما حول الكثير من الأعمال و المشاريع، على سبيل المثال: اعترافه أن بن لادن كان يمتلك قنبلة ذرية. وعند مثوله أمام المحكمة العسكرية عام 2008 اعترف بأنه كان يقدم شهادات كاذبة للتوقف عن تعذيبه.‏

في مذكرة مقدمة إلى اللجنة العسكرية في غوانتانامو، في تموز الماضي، قال المحامون إن الحكومة الاميركية لا تملك «السلطة الأخلاقية» لمحاكمة الناشري، و مما جاء فيها «بتعذيب الناشري و اخضاعه لمعاملات سيئة لا إنسانية ومهنية، تكون الولايات المتحدة حقها في محاكمته وبالتالي اعدامه» وأضافت «باستخدام سوء المعاملة الجسدية و النفسية، تكون الحكومة الاميركية عملياً قد أعدمت الرجل الذي تستجوبه منذ أكثر من 10 سنوات».‏

إن أي مسؤول أميركي، سواء في البيت الأبيض أو وزارة العدل التي صادقت على هذه الأساليب أو من بين محققي السي آي ايه، لم يوجه إليه الاتهام عن أي مخالفة أو جرم له علاقة بعمليات التعذيب الممنهجة، و أن الحكومة الاميركية لم تتدخل البتة لوضع حد لهذه التدابير والاجراءات أو تعويض ضحايا التعذيب. وعليه، فالمحاكم العسكرية التي عقدت من أجل الناشري وشيخ محمد و متهمين آخرين لن تأتي بجديد. كل ما في الأمر أنها استأنفت أعمالها العادية التي توقفت زمنياً بفعل انتخاب الرئيس أوباما عام 2008.‏

لقد أقسم مرشح الرئاسة أوباما على احياء «المبادىء» و«القيم» الاميركية بإغلاق غوانتانامو ورد الاعتبار للقوانين المدنية، و ذلك بمحاكمة المعتقلين أو اطلاق سراح المعتقلين فيه. و كان أول مرسوم أصدره هو وجوب اغلاق هذا المعتقل في غضون عام، لكن ما حدث هو أن عوانتانامو و المحاكم العسكرية مظهر من المظاهر الدائمة للدولة الاميركية.‏

أصدر أوباما قانوناً يعطي فيه الحق بالاعتقال لمدة غير محددة لكل شخص حتى و إن كان أميركياً، وألا يقدم للمحاكمة طبقاً لقاعدة الادعاء البسيطة والتي لا تثبت عليه تهمة أنه «ارهابي» كما وزير عدله قد أعلن صراحة أن من «حق» الرئيس اعطاء الأمر بقتل ارهابيين مفترضين، حتى و إن كانوا مواطنين أميركيين.‏

إن الانتشار المهين لأساليب التعذيب تلك و التي استمرت من عهد بوش إلى حكومة أوباما ليست نتاج ايديولوجيا سياسية أو قانونية، و إنما هي نتاج تناقضات عميقة وفعلية في الرأسمالية الاميركية و العالمية.‏

وفي سياق الأزمة المستحكمة بنظام الاستغلال وبمستويات غير مسبوقة في المظالم الاجتماعية، أصبحت الأصول و القواعد الديمقراطية شرعياً غير قابلة للتنفيذ. وخوفاً من تصاعد الحركات الاحتجاجية وتجدد صراع الطبقات، تسعى الصفوة المالية إلى استخدام أساليب قمع جديدة للدفاع عن سلطتها و امتيازاتها.‏

والمحاكم العسكرية التي بدأ دورتها في غوانتانامو يمكن أن تحصل على صلاحيات واسعة في مواجهة العمال الاميركيين، بإلغاء كل القوانين الديمقراطية و الدستورية الأساسية المكتسبة منذ أكثر من قرنين.‏

هذا التهديد لا يمكن أن يكون موجهاً إلا ضد الطبقة العاملة التي تعبىء قوتها الاستقلالية في اطار و نضال سياسي لوضع حد للرأسمالية واعادة تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية وذلك استجابة لحاجات الأغلبية الساحقة و ليس استجابة لرغبات طبقة صغيرة من المنتفعين.‏

 بقلم: بيل فان اوكن‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية