تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الإعلام الفرنسي داهن السلطة وخسر المواطن

عن موقع : InvestigAction
ترجمة
الأثنين 7-5-2012
ترجمة: دلال ابراهيم

ليس من الصعب الوقوع في وهم الاعتقاد أن فرنسا دولة اشتراكية . لقد شهدت في باريس مسيرات احتجاج نظامية , ويختصرون تسميتها تحبباً - Manifs - .

وعلى موجات الإذاعة في الصباح , كان الناس يتمنون لبعضهم البعض ( طبتم Manifs ) . ومن جانبه صرح الاشتراكي فرانسوا هولاند , المرشح الأوفر حظاً للفوز بالانتخابات الرئاسية هذا الربيع قائلاً «خصمي هو التمويل » ويدعو إلى فرض ضريبة بمعدلات تصل إلى 75% من أجل أن يكسب أي كان مليون يورو .‏

وفي الواقع ليست الاشتراكية في فرنسا أكثر من مظهر براق يلمع صورتها . وخلف هذا المظهر تكمن عصبة من أصحاب المليارات الذين يمارسون سلطاناً ونفوذاً مثيراً للدهشة . وضمن هذا السياق يصرح المحلل السياسي باتريك ويل « لدينا دولة تتحلى بإيديولوجيا ثورية وتنادي بالمساواة . في وقت يحتمي فيها مالكو الثورات عبر شتى وسائل الإعلام « ومن خلال إلقاء نظرة على وسائل الإعلام الفرنسية يتبدى وهمنا في أن فرنسا قد تكون دولة اشتراكية . ولا بد لأي مطلع على الصحف الفرنسية أن تثير إعجابه , فالصحفيون الفرنسيون أشبه بأكاديميين يحملون قلم الصحافة . وفي حين يهدف الصحفيون الأميركيون والبريطانيون إلى بيع صحفهم , وأحياناً يبقون صادقين أمام السلطة , فإن لفرنسا تقاليد مختلفة , حيث وسائل الإعلام الفرنسية كانت دوماً تنام في سرير السلطة , وهذا ما كتبه جان كاتريمر في كتابه الرائع بعنوان « جنس , أكاذيب وإعلام » . حتى أنه في الماضي كتب الكاردينال ريتشيليو , رئيس الوزراء في عهد الملك لويس الثالث عشر عن نفسه باسم مستعار في الصحيفة الفرنسية الوحيدة الصادرة في ذلك الحين . وفيما بعد فعل نابليون نفس الشيء .‏

وكما أن الصحافة الفرنسية بلغت الطبقة المتوسطة العليا , انزلقت أيضاً لتصبح قرب السلطة , كما يشير جان كاتريمر في كتابه . والوزراء والصحفيون المدعومون هذه الأيام غالباً ما درسوا معاً في معهد العلوم السياسية وعاشوا في نفس الحي في باريس وأكلوا معاً وأحياناً ناموا معاً. وفي دولة حيث المرأة في مختلف الوزارات ضربت جذوراً لها في نشرات أخبار التلفزيون , وصديقة المرشح فرانسوا هولاند هي صحفية ,يمكننا أن نسأل : من هو المحتاج إلى استعارات لكي يكون في سرير السلطة ؟‏

تدل الطريقة التي يتبادل فيها الفرنسيون القيل والقال عن رجال السياسة في بلدهم على معرفتهم لكل شيء , لأن ما يتناولونه في أحاديثهم من معلومات نادراً ما يتم نشره . وعندما يتحدث الصحفيون الفرنسيون عن أخطاء وعيوب السلطة, غالباً ما يتم ذلك في أحاديث خلال جو حميم. وعادة تكون الصحافة المكتوبة أكثر حذراً . فقد غطت هذه الصحافة العادات الجنسية لمدير البنك الدولي الفرنسي دومينيك ستراوس كان , لغاية أنه واجه صعوبات في الخارج , كما يقول جان كاتريمر , فقد تكشف أن صمت وسائل الإعلام الفرنسية نابع من حرصها واحترامها للحياة الخاصة . وبشكل أدق , تحترم هذا الصحافة الحياة الخاصة للسياسيين الأقوياء . إذ ومنذ أن فقد ستراوس كل قوته ونفوذه , قفز الصحفيون للحديث عن ممارساته الجنسية , كما كشفت قضية الكارلتون .‏

وهذه الانقيادية التي تبديها وسائل الإعلام الفرنسية جعلت منها عامل جذب لأصحاب المليارات. وهؤلاء يرثون الثروة عن آبائهم , وسبب ذلك على الأرجح هو أن فرنسا لديها قطاع مالي متخلف نسبياً , إذ وبدلاً من الحصول على رؤوس أموالهم من المصارف , يحصلون عليها من ورثتهم لآبائهم . ويمتلك الورثة أصحاب المليارات من أمثال سيرج داسو وأرنو لاغاردير معظم وسائل الصحافة الفرنسية . بينما الوريث الثري مارتن بيويغ فهو المالك الرئيسي لقناة التلفزيون الأولى . وسيطرتهم على الإعلام كاملة بحيث أن بيويغ ولاغاردير ساهموا في عام 2001 في إنقاذ الصحيفة الصادرة عن الحزب الشيوعي الفرنسي « لومانيتيه « .‏

ويقول كريستوف دولوار , المشارك في تأليف كتاب ( سيركوس بوليتكوس ) في هذا السياق, أن فرنسا ليس لديها شخصية مثل روبرت ميردوخ , أو قطب إعلامي يمتلك وسائل الإعلام لجني الأموال. وبدلاً من ذلك يمتلك أصحاب المليارات أولئك وسائل إعلام يضعونها في خدمة مؤسساتهم الربحية الأساسية . وشرح لاغاردير ذلك بقوله :« تعتبر المجموعة الإعلامية ورقة رابحة قوية من أجل انتزاع العقود » وفي فرنسا العقود تأتي من الدولة غالباً . وحتماً سيعمل مالكو وسائل الإعلام الفرنسية على مداهنة رجال السياسة بدلاً من القراء أو المشاهدين العاديين. وفي الوقت الذي تتمتع فيه وسائل الإعلام البريطانية بالشعبية , لم يحقق الإعلام الفرنسي تلك الشعبية .‏

وبلغ الاحتضان الإعلامي – السياسي في فرنسا ذروته في ظل حكم نيكولا ساركوزي . حتى أباح هذا التحالف لنفسه بتعيين لدى التلفزيون والإذاعة المملوكة للدولة . والعلاقة بين بارونات الإعلام الخاص مضحكة , مثل العلاقات المتشابكة في مسلسل برازيلي أو رواية فكتورية . بيويغ هو عراب أحد أبناء ساركوزي . وساركوزي يدعو لاغاردير « أكثر من صديق , إنه أخ» . فانسنت بولوريه , الملياردير الآخر في الإعلام أعار يخته إلى ساركوزي . بينما داسو حيث عائلته مشهورة في مجال الطائرات المقاتلة , فهو سيناتور عن حزب ساركوزي , حتى وإن فقد مقعده بصفته رئيس بلدية بعد أن وجدت المحكمة أنه دفع المال للناخبين . وليس مستغرباً إن بنى المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند حملته الانتخابية حول عدم الثقة بين الثروة والرأسمالية . كذلك ليس من المستغرب أن متوسط شراء المواطن الفرنسي للصحيفة اليومية الرسمية تبلغ فقط 2% . ووفق ما يقوله كاتريمر, من حسن الحظ أن الفرنسيين يلجؤون أكثر فأكثر للاطلاع على الأخبار على مواقع الويب المستقلة . لأنه على الأقل يجدون هناك مواقع مستقلة . وعندما أطلقت أريانا هوفنتون صحيفتها هوفنتون بوست عن فرنسا, ابتعدت فيها عن التقاليد الفرنسية . حيث لم تعين زوجة أحد الوزراء كمدير تحرير , بل عينت زوجة أحد الوزراء السابقين لهذا المنصب , وهي آن سنكلير , زوجة دومينيك ستراوس كان .‏

 بقلم : سيمون كوبر‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية