تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حين تفقد حكومة أردوغان البوصلة!!

شؤون سياسية
الأثنين 7-5-2012
حسن حسن

عند الإعداد لقوات التحالف الدولي لتحرير الكويت من غزو العراق، اعتبر الرئيس التركي آنذاك تورغوت أوزال أن ثمة وليمة كبرى في المنطقة، وبدلاً من أن تكون تركيا مجرد مدعو عليها،

ينبغي أن تكون شريكة فيها، وبصرف النظر عن الموقع والدور في تلك الحفلة قبل عقدين من الزمن، وعلى الرغم من سياسة «صفر مشاكل» والتي اعتمدت لاحقاً مع دول الجوار التركي، ومنها سورية، ثمة الكثير من العوامل التي دفعت أنقرة للتطلع إلى أدوار إقليمية عظمى في المنطقة.‏

ومع وصول الإسلاميين إلى السلطة في أنقرة، وبروز مظاهر مطمئنة للعرب، بعد اهتزاز علاقة تركيا الاستراتيجية بـ «إسرائيل» اتخذ الموقع التركي في فواعل الشرق الأوسط مناحي أكثر انفتاحاً تجاه سورية، وتطورت العلاقات الاقتصادية والسياسية باتجاهات استراتيجية لافتة، وكأنها محاولة سورية لإقامة علاقات إقليمية متوازية مع الضلع الثالث في المنطقة المتمثل بإيران.‏

رافقت تلك العلاقات أيضاً طموحات تركية ساعدها في ذلك العديد من القضايا العربية تحديداً، من بينها الحراك القائم في غير بلد عربي ومنها سورية.‏

ونظراًَ لحساسية الجغرافية السياسية للدولتين، رأت أنقرة أنه من غير الممكن أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه مايجري في سورية، تحت مسميات متعددة ومتنوعة، وبصرف النظر عن المبررات التي وقفت وراءها مقاربة الملف السوري، ثمة جملة معطيات إذا ماتطورت يمكن أن تؤدي بوضع العلاقات إلى مزيد من السلم البارد.‏

لكن الحرص التركي والتدخل المبالغ فيه فيما يجري في سورية، مع استضافة الأتراك للمعارضين السوريين في استنبول وانطاليا، لإعداد العدة لبرنامجهم الاحتجاجي ضد الدولة والمؤسسات في سورية، وتوفير الملاذ الآمن للعناصر الإرهابية المسلحة، والمنابر الإعلامية للهجمات المرتدة، يجعل لهذا الاهتمام والحرص معنى آخر، وتفسيراً يقول إن أنقرة تحضر نفسها لدور «عثماني جديد» بدأت بشائره بالظهور في تحريض «الإخوان المسلمين» في مصر بالسير على خطا النموذج التركي، وظهر ذلك جلياً حين أعلنت حركة الإخوان المسلمين في مصر عن تشكيل حزب سياسي تحت اسم «حزب الوسط» مستلهماً تجربة حزب العدالة والتنمية التركية، إضافة إلى التعاون مع الحركات الإسلامية الشرق أوسطية المعارضة بما يتيح لحزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي، بناء تحالف شرق أوسطي كبير، يفسح المجال أمام مشروع تركيا الهادف إلى إعادة إنتاج الإرث السياسي العثماني التقليدي ضمن نسخة عصرية جديدة.‏

لقد واجهت السياسة الخارجية التركية خلال الأشهر الماضية خيارات صعبة، الخيار الأول هو دعم نشر الديمقراطية الغربية في المنطقة، ومعناه دمج برامج سياسة تركيا الشرق أوسطية مع برامج واشنطن المتعلقة بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط،‏

بما يتيح لأنقرة استعادة وتعزيز روابطها مع حلفائها الغربيين، وينعش علاقات أنقرة- واشنطن، ويدعم مشروع انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، ويعزز مكانتها في هياكل حلف الناتو العسكرية والأمنية، أما الخيار الثاني (وهو ماتميل إليه قيادة الحزب الحاكم في تركيا) هو قيام أنظمة اسلامية، تتلاقى مع الدور العثماني الذي ترغب تركيا في عودته، ومعنى ذلك أن تقدم أنقرة الدعم والمساندة لحركات المعارضة الإسلامية الناشطة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص حركة الإخوان المسلمين، لكن رغبة تركيا الجمع بين الخيارين، ضمن جدول أعمال سياسية خارجية، أوقع تركيا في إشكالية التناقض، فمن غير الممكن الجمع بين مشروع نشر الديمقراطية الأميركي، والمشروع الإسلامي، وذلك لسبب واضح تماماً، وهو أن أميركا حددت بكل وضوح موقفها المعادي للإسلام والمسلمين، بما في ذلك معاداة حزب العدالة والتنمية نفسه.‏

وعلى ضوء التعاطي التركي مع الحدث السوري، ورغم أهمية تركيا في المنطقة والعالم، فإن سورية هي التي تستطيع وحدها تحديد نجاح أو إخفاق الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي مهما كان وزن وحجم تركيا كبيراً، فإنها لن تستطيع القيام بأي دور بمفردها مادامت المفاتيح موجودة في دمشق، وإن أنقرة قد أخطأت كثيراً عندما سعت إلى تبني المواقف المتطابقة مع مثلث واشنطن- باريس- لندن، وهو ما أفقد أنقرة مصداقيتها أمام سورية، وبالتالي أدى بالضرورة إلى إضعاف قدرة أنقرة في الحصول على مفاتيح الشرق الأوسط.‏

ويبدو أن الموقف التركي هذا جاء نتيجة عدم القدرة على قراءة معطيات الحدث السوري الصحيح القائم على معرفة التفاصيل والحقائق والإلمام بحقيقة المعلومات التي شكلت خلفياته، إضافة إلى محدوديته، والتي سعى الإعلام الغربي والخليجي إلى تضخيمها بأضعاف ماهو حاصل على أرض الواقع، رغم أن دمشق حاولت خلال السنوات القليلة الماضية توقيع اتفاقيات التعاون التركي- السوري التي تمثل المفتاح الرئيسي للدور الذي تحلم تركيا القيام به في منطقة الشرق الأوسط.‏

فكان من الأدعى لتركيا الحرص على العلاقة الاستراتيجية مع دمشق التي تقربها من الحصول على المفتاح الدمشقي، لا أن تضيعه، كما أضاعه زعماء تركيا، وظلت أنقرة تبحث عنه دون جدوى طوال الحقب الممتدة من منتصف عشرينيات القرن الماضي وحتى عشية انتخابات عام 2002.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية