|
شؤون سياسية وهذا ما ينطبق على ذكرى عظيمة تحلُّ في هذه الأيام , هي ذكرى شهداء السادس من أيار ؛ ذكرى أعظم مَنْ في الدنيا وأنبل بني البشر , ذكرى الذين رووْا بدمائهم تراب هذه الأرض العربية الطاهرة لتبقى مُحَّررة من رَجْس الغزاة والمستعمرين الذين تعاقبوا على احتلالها , ومحاولات إذلال شعبها , ومصادرة إرادته , والهيمنة على مقدراته . لقد عرف العرب خلال تاريخهم الطويل العديد من الموجات الاستعمارية التي اجتاحت بلادهم في التاريخ الحديث بدءاً من الاستعمار العثماني , مرورا ً بالاستعمار الأوروبي , وانتهاء بالاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين عام 1948 , إلا أنَّ العرب لم يستسلموا للمستعمرين , بل بدؤوا المقاومة منذ أن وطئت أقدام المستعمرين والغزاة أراضيهم , وقدَّموا الكثير الكثير من الشهداء على مذبح الحرية والاستقلال . من المعروف أنه في عام 1916 ثار العرب على الحكم العثماني مطالبين بالحرية والاستقلال ولهذا أعدمت تركيا آنذاك يوم السادس من أيار من العام المذكور كوكبة من الشهداء مُدعيَةً بأنها عثرت عن طريق الصدفة في دار القنصلية الفرنسية في بيروت على وثائق سرية مهمة ضدها , وأحالت تلك الوثائق إلى ديوان الحاكم العرفّي في مدينة عاليه بلبنان الذي أصدر بدوره حكم الإعدام بحق هؤلاء , ونفذ الحكم في دمشق وبيروت بآنٍ واحد , وتقديراً ً لهؤلاء أصبح هذا اليوم عيدا ً للشهداء . وفي سورية تحديداً ً , صدر بعد الحركة التصحيحية المجيدة في 16 تشرين الثاني عام 1970 المرسوم رقم /897/ تاريخ 15/5/1974 المتضمن جعل يوم السادس من أيار عيدا ً قوميا ً ووطنيا ً يُحْتَفَل به شأن الأعياد المماثلة الأخرى . قوافل الشهداء هذا , وبطبيعة الحال , توالت قوافل الشهداء عبر كفاح الشعب العربي في معظم أقطاره من أجل الحرية والاستقلال , في سورية ومصر وفلسطين والجزائر وليبيا وغيرها من الدول العربية . ففي سورية تصدى الشهيد البطل يوسف العظمة وزير الحربية السوري آنذاك للجيش الفرنسي الذي زحف إلى دمشق في معركة غير متكافئة بسبب تفّوق الجيش الفرنسي عددا ً وعُدة على القوات السورية المتواضعة آنذاك وظل يقاتل حتى سقط شهيدا ً مع /400/ من رفاقه , بعد أن كبَّدوا الجيش الفرنسي خسائر بشرية ومادية كبيرة , وبذلك يكون الشهيد يوسف العظمة هو أول من جَسَّد قُولاً وعملاً مقاومة الاستعمار الفرنسي ومخطط سايكس بيكو المشهور لاقتسام الوطن العربي بين الاستعمارين البريطاني والفرنسي . وهنا تكمن عظمة شهيدنا «العظمة » الذي رفض إنذار الجنرال غورو بالاستسلام وتسريح الجيش السوري والاعتراف بالإنتداب الفرنسي , وخرج لمواجهة الفرنسيين في معركة ميسلون رغم أنه يعرف نتائجها سلفا ً كما أشرنا قبل قليل حول اختلال ميزان القوة لصالح الفرنسيين . وفي الثورات اللاحقة ضد الفرنسيين في سورية والتي بلغت ثلاثمئة ثورة كما وصفها الجنرال الفرنسي “ ويكان” في كتاب ألفه عن سورية , توالت قوافل الشهداء , ومن أبرز هذه الثورات ثورة الشيخ صالح العلي في الساحل السوري , وثورة ابراهيم هنانو في حلب وثورة حسن الخراط والثورة السورية الكبرى بقيادة المرحوم سلطان باشا الأطرش , والثورات الأخرى في حمص وحماة ودير الزور والرقة والقنيطرة وحلب والقلمون ودمشق وغوطتها ودرعا وغيرها . الإهتمام الكبير ومما يجدر ذكره أنَّ مسألة الشهادة والشهداء لقيت اهتماما ً كبيرا ً بها بعد قيام الحركة التصحيحية المجيدة عام 1970 , حيث صدر المرسوم الذي اعتبر السادس من أيار عيدا ً وطنيا ً وقوميا ً للشهداء يُحْتَفل به كسائر الأعياد الرسمية كما أشرنا منذ قليل , إضافة إلى المرسوم الخاص بمنح الثوار والمجاهدين السوريين رواتب تقاعدية بعد أن حُرموا من مثل هذا الحق لسنوات طويلة , هذا إلى جانب عطاءات كثيرة لا يمكن حصرها مثلا ًمنح ذوي و أولاد الشهداء مساكن مجانية بموجب المرسوم رقم /9/ لعام 1985 , وأفضليات في التوظيف وتعليم أبنائهم مجانا ً حتى انتهاء المرحلة الجامعية ضمن مدارس افتتحت لهذا الشأن مع رعايتهم رعايةً أبويّة , ثم تسمية المدارس والشوارع والساحات بأسمائهم تخليداً لذكراهم , هذا إلى جانب تكريم ذويهم في المناسبات من خلال زياراتهم وتقديم الهدايا الرمزية لهم كتكريم معنوّي. وسار على هذا الدرب السيد الرئيس بشار الأسد الذي يزور مدارس أبناء وبنات الشهداء ويكرمهم بأشكال مختلفة ومتعددة ويؤمّن لهم جميع مطالبهم دون استثناء . وفي ضوء هذا الاهتمام تكرس مفهوم الشهادة كقيمة لا تعلو عليها قيمة , بل أصبحت قيمة القيم . وفي ضوء ذلك , برزت ونمت ظاهرة المقاومة التي أثبتت وجودها وفاعليتها في أكثر من مكان على الساحة العربية , ففي لبنان استطاعت المقاومة الوطنية اللبنانية أن تحرر جنوب لبنان , عندما أجبرت من خلال عملياتها الجريئة إسرائيل على الإنسحاب منه , ثم انتصرت على إسرائيل في حرب تموز عام 2006 , وفي العراق أقضت هذه المقاومة مضاجع القوات الإمريكية , وعجَّلت في انسحابها من هناك , كذلك صمدت المقاومة الفلسطينية أمام جبروت ألة الحرب الصهيونية في الحرب على عزة. صمود سورية تأتي ذكرى الشهداء لهذا العام في ظروف استثنائية تعيشها سورية , حيث يشتدُّ التآمر عليها من قبل الولايات المتحدة الإمريكية وبعض العواصم الغربية الحليفة لها إضافة إلى أطراف إقليمية مثل تركيا , وضلوع دول خليجية في هذه المؤامرة , خاصة منها قطر والسعودية , فإلى جانب العقوبات الظالمة التي فُرضت على سورية تبنت أطراف التآمر مجموعات إرهابية مسلحة , حيث درَّبوها وسلَّحوها بأحدث أنواع الأسلحة , ومدّوها بالأموال الطائلة لتقوم بأعمال قتل وترويع المواطنين السوريين وتهجيرهم من منازلهم والاعتداء على عناصر القوات المسلحة وعناصر الأمن وحفظ النظام , من خلال الكمائن والاغتيالات الجبانة ثم تخريب وتدمير المنشآت الخدمية والصحية وبعض المؤسسات الأخرى. كما عمل أطراف التآمر على دفع بعض عناصر تنظيم القاعدة إلى دخول الأراضي السورية ليُفجروا أنفسهم بأحزمةٍ أو بسيارات مفخخة في العديد من المحافظات والمناطق السورية كل ذلك من أجل إخضاع سورية وإجبارها على السير في ركاب السياسة الأمريكية ودفعها إلى التخلّي عن نهج الممانعة في وجه المشروع الصهيوني _ الأمريكي في المنطقة وعن دعمها للمقاومة. وقد ترتب على جرائم هذه المجموعات استشهاد عدد كبير من المواطنين السوريين مدنيين وعسكريين وعناصر أمنية لينضموا جميعاً إلى قوافل الشهداء التي سبقتهم . لقد ظنّ أطراف التآمر أن بوسعهم تحقيق أهدافهم بسرعة , إلا أن ظنهم هذا قد خاب أمام تماسك شعب سورية وصموده وإصراره على الدفاع عن نفسه ضد المؤامرة التي تستهدفه , وأمام تماسك الجيش العربي السوري . إن جماهير شعبنا في سورية وهي تحتفل بذكرى الشهداء تؤكد من جديد صمودها في وجه المؤامرة واستعدادها لتقديم المزيد من الشهداء في سبيل حرية الوطن وسيادته واستقلاله , وسيكون النصر حليفا ً لها بإذن الله . |
|