تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


... منـــــارة الحريــــة

مجتمع
الأثنين 7-5-2012
يحيى موسى الشهابي

لم يكن طريق الحرية ممهدا ومفروشا بالورود ......بل كان طويلا وشاقا ،دفع فيه المناضلون ، دماء زكية وأرواحا طاهرة بغير حد ولا حساب ...

فمع اٍحتلال العثمانيين للوطن العربي ولمدة أربعة قرون متواصلة وباٍدعاء كاذب بدأت المعاناة من طغيانهم المقيت الذي تمثل بوضوح بوصول الاٍتحاديين الى السلطة من خلال خنق الحريات ،وفرض سياسة التتريك لتذويب الهوية القومية ،ومنع تعليم اللغة العربية ،وتسخير اقتصاديات الوطن للحرب ضد الاٍنكليز ،من خلال مصادرة الأرزاق ،وتخريب نظم الري واٍستخدام العمال بالسخرة ،وسيق الفلاحين لجبهات القتال مما هدد السكان بالجوع في سورية ولبنان وهذا ماسبب في اٍشعال شرارة النقمة ودفع المتنورين من العرب لقيادة العمل من أجل اٍنقاذ بلادهم والحفاظ على هويتهم العربية ....‏

وراح الأدباء يكشفون المظالم والآلام التي يعانيها العرب وينبهون الأمة الى واقعها وينادون بالإصلاح وإقامة ميزان العدل وشكلت الجمعيات العربية بدءا بالجمعية السورية اللبنانية عام 1875 وجمعية المنتدى والجمعية الاٍصلاحية بدمشق وبيروت وجمعية الفتاة العربية وجمعية العهد العسكرية ....‏

ومع وقع الحرب العالمية الأولى تفاقم التعسف العثماني واٍشتداد القهر والاذلال...وبالذات مع وصول السفاح جمال باشا حاكما على الولايات العربية ليبدأ حملة البطش والتنكيل برجال الطليعة حاملي مشعل التنوير والوعي في دمشق وبيروت ، وقد ساق لهم هذا السفاح ذريعة الاٍنتساب للجمعيات العربية والاٍتصال بالدول الأجنبية لتخليص العرب من الهيمنة العثمانية وأحالهم بتلك التهم الى المحاكم العرفية الصورية في عالية فجرمتهم بالخيانة وأسلمتهم لأعواد المشانق ...وتوالت الفاجعة فصولا ...‏

فتم في الخامس من آب عام 1915 تنفيذ حكم الاٍعدام الجائر بالدفعة الأولى من المناضلين التي ضمت أحد عشر مناضلا صعد أولهم عبد الكريم الخليل الى منصة الشرف وأخذ يهتف مرحبا بالموت في سبيل الحرية :ياأبناء الوطن ...يريد الأتراك أن يخنقوا أصوات الحرية في صدورنا ...لكننا سنتكلم نحن أمة تريد الاٍستقلال ....‏

وفي عتمة ليلة السادس من أيار 1916 اقتيدت قافلة الرجال الثانية الى أراجيح الفداء في ساحة الشهداء بدمشق وعلا هتافهم وهم في الطريق الى ساحة الفداء :‏

نحن أبناء الألى‏

شادوا مجدا وعلا‏

نسل قحطان الأبي‏

جد كل العرب‏

ووقف السفاح على شرفة مطلة على ساحة الشهداء ليرى بعينه الجريمة الشنيعة التي اٍرتكبها ...ولابد أن الكلمات الخالدة التي صدرت عن الرجال وهم يمشون خطواتهم الأخيرة في الحياة ،قد تناهت الى سمعه لكنها لم تحرك فيه رعشة جفن بالخجل مما اٍقترفت يداه ..وكان شفيق المؤيد ابن دمشق البارز في مجلس النواب أول القافلة وتلاه شكري العسلي والى آخر القافلة وكلهم قامات كبار لقنوا المحتل درسا في التضحية والفداء ولكن الشاعر عمر حمد وبعد أن ألقى بيوتا من الشعر وعندما انتصب على منصة الاٍعدام اٍلتفت الى مدير البوليس رضا باشا قائلا:‏

أبلغ حكومتك أن ظلمها هذا سيكون سببا في تقويض بنيانها والتفت الى الحاضرين وهتف ...أموت فداء الأمة العربية .....ليسقط الاتراك وليحيا العرب وهنا ثار الجلاد فركل الكرسي من تحته فهوى على الأرض‏

والدم يسيل من جرح بالغ بالرأس فطعنه الجلاد بسيفه شاتما ثم حمله ووضع الحبل في عنقه ثانية‏

وهكذا كانت لكل رجل وقفة عز شامخة يودع فيها الحياة ويستودع الأجيال وطنا حلف أحراره ألا يسلموه للعبودية والأغلال ..ولم تمض هذه الجريمة بغير عقاب ،اٍذ مالبث بركان الغضب أن اٍنفجر واندلعت الثورة العربية لتستولي على المدن وتطرد جيوش الطغاة وتحرر الأرض من رجس العثمانيين ولتتحقق نبوءة عمر حمد ورفاقه أن ظلمهم سيكون سببا في تقويض بنيانهم .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية