تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جدل السكان والموارد

منطقة حرة
الثلاثاء 1-5-2012
مروان درّاج

منذ سنوات، والجدل يتنامى حول علاقة النمو السكاني بالنمو الاقتصادي، هناك فريق من الباحثين يصر على أن النمو السكاني في سورية يقابله تباطؤ في نمو الموارد الاقتصادية،

ما يستوجب السعي إلى التقليل ما أمكن من نسب الولادات من خلال تكثيف برامج التوعية التي تصدر عن الهيئة السورية لتنظيم الأسرة, بينما هناك فريق آخر، ينظر إلى هذه الرؤية بعين السخرية ويعتقد أن المدافعين عن الرأي الأول يحاولون استخدام النمو السكاني المتسارع كشماعة أو ذريعة لفشل التخطيط الأمثل للنمو الاقتصادي، وبين هذه الرؤية وتلك، ثمة من يسأل.. أين هي الحقيقة..وهل يتعين العمل على كبح جماح النمو السكاني والسعي إلى وقفه عند أرقام ونسب بعينها؟! ..وهل تراجع المستويات المعيشية للناس يعود إلى انعدام التكافؤ بين النمو الاقتصادي والسكاني؟!‏

في حال الابتعاد عن الرؤى غير الجادة والتي يجري ترويجها عادة من جانب باحثين لا علاقة لهم بالعلوم الاقتصادية والسكانية، فان الرأي السديد الذي يصدر عن مختصين، يشير إلى أن نسب النمو السكاني تعتبر معتدلة وتشبه مثيلاتها في كثير من بلدان العالم، غير أن اتساع مساحة الفقر والعوز يعود إلى فشل الارتقاء في نسب النمو الاقتصادي التي تدفع البعض إلى وضع النمو السكاني في قفص الاتهام، وحسب الأرقام التي يجري الترويج لها، فان نسب النمو السكاني وفق التقديرات المحلية لا تتجاوز (2) بالمئة، بينما تقدرها إحصائية الأمم المتحدة بنحو ( 2,8 ) بالمئة، وحسب المؤشرات والأرقام الرسمية أيضا، فان نسبة الشباب من إجمالي عدد السكان يشكلون نحو (70) بالمئة، وهذه الميزة تعتبر ايجابية جدا فيما لو كانت الخطط الاقتصادية سليمة، وأيضا يتعين الإشارة الى أنه بسبب تراجع القدرات الشرائية لدى الغالبية، فان معدلات النمو السكاني كانت قد تراجعت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي فالمشكلات الأساسية هي تنموية بالدرجة الأولى، أي قبل أن يبادر البعض بين حين وآخر في الدعوة إلى ضرورة التحذير من مخاطر الانفجار السكاني _ حسب زعمهم _ لا بد من السعي إلى إعداد الخطط والدراسات الجادة من أجل ردم الهوة بين النمو السكاني ونظيره الاقتصادي، ذلك أنه بالرغم من نسب النمو المعتدلة في السكان، فهي ما زالت تتجاوز نسب النمو الاقتصادي .‏

ولعل الأمر الذي يتعين الإشارة له، أن نسب النمو السكاني التي ذكرناها ويفترض أنها معتدلة، قد تستوجب أيضا ولو بشكل مؤقت العمل على تخفيضها على أمل إحداث التكافؤ بين نمو السكان ومعدلات النمو الاقتصادي ...وفي المقابل قد يقول البعض، بأنّ المشكلة ليست في الازدياد السكاني، وإنما في توزيع الثروة وفي استثمار الموارد ومثل هذا الرأي لا يمكن نفيه في ضوء تزايد أعداد المحسوبين على خط الفقر والمقدرة بنحو (40) بالمئة من إجمالي عدد السكان، وأيضاً هناك اعتبارات أخرى يفترض أخذها في الحسبان في المستقبل، وهي تتعلق في القدرة على الاستمرار في تأمين المنتجات الزراعية وزحف التصحر وتراجع الهطل المطري وانخفاض كميات المياه العذبة، ولا ننسى في هذا السياق الإشارة، إلى أن بعض المهتمين والمسؤولين على المستوى الرسمي، كانوا قد أشاروا منذ تسعينات القرن الماضي إلى إمكان مواجهة مشكلة غذائية لجهة الإنتاج الزراعي ف ي السنوات المقبلة، وهذا الكلام الذي يفترض أنّه على درجة عالية من الأهمية، كان يفترض مناقشته وبجدية في المنابر الإعلامية، لكنه للأسف كان قد مرّ مرور الكرام دون أن يستحوذ على اهتمام حتى الرأي العام، وكل ذلك، يأتي في وقت، تشهد فيه سورية معاناة حقيقية لجهة ندرة مياه الشرب بغض النظر عن التحسن النسبي خلال العامين الأخيرين ، كما أنّ بعض المناطق الزراعية يهجرها أصحابها، نتيجة تراجع معدلات الهطل المطري، وخاصة في محافظات مثل الرقة – دير الزور – الحسكة،.. لهذه الأسباب وسواها، لابدّ من المبادرة من أجل صوغ سياسات جديدة قادرة على استشراف المستقبل لجهة إحداث التوازن بين النمو السكاني والموارد.‏

">marwandj@hotmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية