|
شؤون سياسية وفي مواصفات كهذه يقول علم الجريمة الاجتماعي أن واقعة الإرهاب عمياء صماء ليس لها من معادل سوى فاصلتين على الهامش تستبدان عادة بالنفوس المريضة وبالذاكرات المهتزة التي ليس لها قابلية اختزان تراكم الوعي والعمل الصالح وسفر الأمجاد الممتد من الأجداد إلى الأحفاد، لايعترف المجرم من هذا الطراز أنه من خلق الله وأنه من البشر وأنه معني بإثبات ذاته ببعض مايقوم به الكائن الحي وهو يقدم لمحة مفيدة لأبناء جنسه ولمجتمعه المحيط، لكي تحدث جريمة كالتي نعيش لابد أن يتهيأ لها مجرم بدون ذاكرة وبلا وزن وبدون أحاسيس أو وجدان. وهذا النموذج موجود في كل المجتمعات ويجب ألا نقع في الدهشة أو الاستغراب ونحن نراه بين ظهرانينا، هذا المجرم هو خط الوجود النقيض لكل ماهو طبيعي ولكل ماهو إيجابي وعنده يتساوى البشر الآخرون من حيث كونهم جميعاً أعداء، هذا المجرم يرى أباه عدواً وأمه عدواً وشقيقه عدواً وكل ماخلق الله وماسوف يخلق عدواً له، هو قائم على تدمير حقائق النفس ونسف مقومات العقل وتقطيع أواصر القربى وعلى الاعتقاد بأن ماحرم الله هو الحلال رداً على الله وبأن ماحلل الله هو الحرام رداً على الله، لذا يختار اليوم الفضيل لينفث سمومه ولينشر إرهابه وليوصل الرسالة للجميع بأن هذه الجريمة هي عيده وعادته وسعادته في سياق واحد وتكتمل الفاصلة المشؤومة هذه عند المجرم حينما يختار أفضل لحظات الزمان ومواقع المكان وصلاة الجمعة هي الأفضل والمسجد هو الأفضل ولاسيما حينما يكون مسجد زين العابدين في حي الميدان، في موقع مكاني يستدرج الزمان له منذ تلك الأيام يوم انتشر الإسلام من هذه البوابة في الميدان ويوم قررت دمشق من هنا أن تتصدى لجحافل التتار وللصليبيين من بعدها. ويستدرج المكان الرائع والرائد قصة بطولات قدمها أجداد وآباء قاطني هذا المكان في التصدي للاستعمار العثماني التركي وللاستعمار الفرنسي الصليبي، والمجرمون يعرفون أنهم يزدادون شعوراً بالراحة كلما قتلوا مكاناً كالميدان، وبالمعنى العميم فإن المجرم الإرهابي ينتقم الآن من الواقع ومن الآخر ومن التاريخ ومن الشهداء ومن الصالحين والعلماء ومن زارع الأرض ومنتج الحرف والأدوات ومنشد أغنية السلام في الزمن الرديء حيث تتوزع الأهواء والمشارب، إن ذلك معادل مهم وقد لايعرفه المجرم ولكنه يتسلل تحت ظلاله ويغطي فعلته الخسيسة باعتقاده أنه أنجز عملاً تاريخياً ضد وجود تاريخي، هذه هي الفاصلة المعادلة في شطرها الأول وأما الفاصلة الثانية التي يتكىء عليها المجرم والجريمة ومنها ينطلق فهي الثمن المادي البخس وعلم الإجرام يقول كل عمل إنساني خسيس إنما يأتي بثمن بخس حرام يقبضه المجرم وقد لايجد الفرصة لكي يستمتع بما قبض. والمسألة بأصلها هي أن الرخص والوناءة هما صفتان مستقرتان. في كل مفاصل وتفصيلات منفذي الإرهاب في سورية في هذه المرحلة، لقد استوعبهم المال القادم من الخارج استغرقهم وشل فكرهم وأيقظ فيهم شهوة القتل وقد كانوا على الهامش يصممون مرصد الانقضاض على البشر فجاء المال والإعلام من الخارج والتقى في النقاط الحساسة المخربة في نفوسهم وعندها صارت الجريمة هي الأسهل وصارت الجريمة سهلة مستساغة كلما كبرت آثارها وتعددت ضحاياها وكلما أزهقت من نفوس بريئة وحولت أجساد الأطفال والشيوخ أمام المساجد إلى أشلاء ولطالما تكرر لفظ الأشلاء في ثقافتنا اللغوية حتى وصلنا إلى لحظة الاستحقاق فإذا الأشلاء هي بقايا الجسد الممزق، قلوب الأطفال وأكباد الشيوخ الركع وأيدي الشباب وأدمغة جيل تخزنت فيها منابع تقوى الله ومقومات الانطلاق في مسيرة البناء والعلم والإبداع. ولقد بقي السؤال الخطر وهو يمتد في المسافة مابين حقيقة الجريمة الواقعة واختيار موعدها في اللحظة المناسبة والمنطق يقول إنه لاجريمة بدون مجرم فكلاهما من معدن واحد ولاجريمة بدون أهداف قريبة وبعيدة فكلاهما صياغة للآخر تعبير عنه وتقديم له في واقع الحياة، والآن تتوضح هذه المسألة في هذه اللحظة التي خرجت سورية فيها وهي أكثر ثقة بالنفس وأقدر على مواجهة موجات الظلام وعصابات الإجرام، إن اللحظة السورية الراهنة هي جزء مهم من مفهوم أوسع يتصل بالمنطقة بالعرب بالإقليم بالعالم كله ويعرفون في الغرب أن سورية التي صارت معادل العالم كله بقي عليها إنجاز واحد هو أن تعادل سورية ذاتها، والتوجه هذا مخيف مرعب بالنسبة للغرب وللقاعدة وللاتجاهات الخائنة للإسلام ولمن يغذي هذه الاتجاهات ويقدم لها الحاضنة الفكرية والعسكرية والمادية والإعلامية. لذا هرعوا على نحو محموم كلهم انطلقوا من جحورهم ومن كل مواقع الدنيا في مسعى لكي يقطعوا الطريق على سورية على أن تعادل سورية ذاتها وأن تنتج نظامها السياسي والاجتماعي بمناخات جديدة تقوم على القاعدة الوطنية وعلى أسلوب الحوار وعبر وسيلة الديمقراطية في التعبير والاختيار، ومن هنا كان هلعهم كبيراً وأدركوا في اللحظة الأخيرة أن عليهم أن يثبتوا بأنهم لم ينتهوا ولم ينهزموا بعد والدليل على ذلك هو خطف البشر وسرقة الممتلكات وزرع المتفجرات واغتيال أي إنسان أو مواطن فاضل وتدمير السكك الحديدية والقطارات المحملة بالبر والغذاء لكي يبقى المواطن في إدلب وسواها كريماً وقد سددت الدولة حاجاته بلامنة. ثم راحوا يثبتون ذاتهم من خلال قتل الجنود وتحويل جماجم بعضهم إلى كرة قدم حية على الطريقة التي كان يلعب فيها المواطنون المهملون كرة القدم في البيادر المغبرة أيام العثمانيين، وحتى هذا الإرهاب المنظم والمتوتر فسوف يكون محرضاً ودافعاً لدرجة أعلى في التآمر على سورية دولياً وسوف تتكثف النتائج المباشرة في إعلان فشل مبادرة كوفي أنان (المبعوث الدولي والعربي) ببنودها الستة بل إعلان وفاة هذه المهمة كما سمعنا من وزيرة خارجية واشنطن ومن حمد ومن ساركوزي ومن أردوغان، وعندها لابد من الخطوة التالية لأن الحدث السوري لايمكن تركه للسوريين وحدهم أو تركه للفراغ الذي تعرف سورية كيف تحوله إلى مساحات من الاهتمامات والعلاقات الدولية الناشطة، إن الجريمة كما نراها الآن هي المقدمة لقرار دولي بالتدخل العسكري في سورية تحت الفصل السابع، هذا ماهاجوا وماجوا عليه الآن في عواصم الغرب وفي دول النفط والتخلف وعلى ألسنة من باع وطنه واتخذ من اسطنبول مستقراًَ له وخادماً لمن يحكم اسطنبول بالحمق والزعرنة وأوهام الخلافة. |
|