|
شؤون ثقا فية والمعروف ان معظم المجلات العربية المتخصصة في الشؤون الفنية,تقدم الى القارئ في اكثر الاحيان ثقافة سطحية واستهلاكية, على الرغم من جاذبية اخراجها في شكلها وألوانها وطباعتها ونوعية ورقها المصقول والفاخر. واللافت ان المجلات النسائية اللبنانية والخليجية الاكثر اناقة باتت تحقق في السنوات الاخيرة انتشاراً ورواجاً مع ان اسعارها مرتفعة قياساً بأسعار المجلات الثقافية. وسرعان ما نكتشف ان الاعلانات في المجلات الفنية والنسائية التي تروج لأحدث منتجات التجميل والماكياج والعطور وغيرها هي وراء استمرارية صدورها,رغم عمرها القصير, وتخمة سوق المجلات بالعديد من العناوين المتخصصة والجادة. هكذا يستمر السباق بين زيادة مبيعات المجلة وزيادة الاعلانات التجارية, وبالتالي يستمر تراجع وتقلص المجلات الثقافية, وذلك لأن الاخيرة اكتسبت في كل مراحلها,حصانة راسخة ضد الاعلانات, وهنا نشير الى ان المؤسسات الثقافية العالمية اهتمت ومنذ سنوات طويلة بمحاولات اختراق حاجز التعاطي مع النتاج الثقافي من مفهومه التقليدي الى وسائل وطرق جديدة يمكن من خلالها جذب القارئ وتمويل المجلة في آن دون الرضوخ الى السهولة في مناقشة المسائل والهموم الثقافية, لأن قبول المجلة للسهولة الميسرة يقتلها ويضعها في قائمة الاعمال المهنية والحرفية والاستهلاكية. فالمعرفة ينبوع الفرح وعصب ثقافة العين والروح, وقد عمدت بعض المؤسسات الثقافية في المدن الكبرى, الى اصدار منشورات ثقافية اعتبرت كمنطلق حيوي للحوار والاكتشاف والابتكار, ومدخل حقيقي لتنمية القدرة على مواصلة القراءة بفرح وشوق ومحبة. ولهذا يمكن القول ان الوسائل التربوية التي تقرب الثقافة من الناس في البلدان العربية,لا تزال في البدايات, والسبب من وجهة نظرنا, يعود بالدرجة الاولى الى غياب المناهج المدرسية الحديثة. وهذا يعني ان الاتجاهات التربوية في مجمل البلدان العربية قد اثبتت فشلها الذريع في انماء القدرات على المتابعة والقراءة واستيعاب تعبيرات الحداثة الجمالية في الادب والفن . لا اعتبار للكلمة والثقافة نحن شعب لا يقرأ, فلا متابعة فعلية لما ينشر,ولا اعتبار للثقافة والكلمة والابداع عندنا, وهذا هو النقص الكبير في حياتنا الفنية والادبية. فالسؤال عن وضع المثقف ومشكلاته وعلاقاته مع جمهوره ومجتمعه ما هو إلا صدى لدوران الحركة الثقافية المحلية في دائرة مغلقة وضياع جهود الكتاب والنقاد والباحثين في مساحة فارغة. هذه حقيقة مرعبة لا يوجد نظير لها في الدول الكبرى التي تعيش على وتيرة الآلة ودوامة الارقام الجاهزة في ذاكرة العقول الالكترونية . فالخلل الكبير الذي اصاب الانسان العربي في هذه المرحلة بالذات يكمن في ارتباطه المباشر بالثقافة السطحية والاستعراضية والآنية والزائلة التي تتعارض مع طبيعة التوجه الابداعي والابتكاري حيث بقيت الحركة الثقافية عندنا حركة افراد, وظلت اسيرة جمهور النخبة. اني اعتقد ان المأزق الذي يواجه المجلات الثقافية يكمن في هذه النقطة بالذات,لا سيما ان المناهج التربوية المدرسية عندنا لا تزال تعتمد على وسائل تقليدية وسطحية وبدائية في محاولات تقريب القراءة والثقافة من الناس. وعلى هذا الاساس يمكن القول ان ازمة المجلات الثقافية عندنا , هي ازمة قراءة بالدرجة الاولى, فالمكتبات العامة والمراكز الثقافية تقدم الكتب والدوريات والصحف بشكل مجاني ولاأحد يقرأ أو يتابع إلا في حالات استثنائية ونادرة. وقد اقتنعت الجهات المعنية اخيراً بالحال المزرية التي وصلت اليها المجلات الثقافية, لا سيما بعد غياب اصحاب الاقلام الجادة عن معظم تلك المجلات وذلك بسبب كثرة الدخلاء على الكتابة في المجالات الفنية والادبية كافة, بحيث لم يبق على صفحات تلك الدوريات سوى كتابات اصحاب الاقلام الباهتة وغير الموهوبة. وقد اكتفت العديد من دور النشر الرسمية والخاصة بالاعلان عن ايقاف العديد من مجلاتها الثقافية بعد ان باتت المعالجة الحقيقية عصية بسبب ارتفاع التكاليف وغياب القارئ. وما هو لافت ان العديد من المجلات الثقافية المحلية والعربية تظهر وتختفي وعدم الانتظام في الصدور يعود الى وجود صعوبات وثغرات وتقصير ولهذا لا بد من تحديد مظاهر الخلل, حتى تتم الانطلاقة الى حالة اكثر احترافية في مجال تحرير واخراج واصدار وتوزيع المجلات الثقافية, حتى تكون الدورية او المطبوعة اقدر على الحركة والاستمرار والتواصل مع القراء الباحثين عن دراسات الكتاب القادرين على اثارة عناصر الاهتمام والجذب . |
|