|
اقتصاديات لقد سبق لكارل ماركس عندما طرح شعار الشيوعية في اوروبا في القرن التاسع عشر وما اثاره هذا الشعار من سجالات في المجتمعات الاوروبية ان اضطر الى اعلان البيان الشيوعي (المانيفست) لتوضيح مفهومه ويبدو اننا نحن ايضا بحاجة لتوضيح مفهومنا لاقتصاد السوق الاجتماعي ليس لان المفهوم بدعة كما يحلو للبعض ان يقول بل لان هذا المفهوم قد يختلف من مجتمع لاخر حسب مستوى التطور الذي بلغه هذا المجتمع او ذاك وكذلك حسب مستوى النمو الاقتصادي. يتساءل البعض ماذا سيكون الوضع بعد اقتصاد السوق الاجتماعي هل سننتقل الى اقتصاد السوق الحر ام سننتقل الى الاشتراكية معتبرين ان اقتصاد السوق الاجتماعي مرحلة انتقالية الى وضع اخر اكثر نضوجا. ان الحديث عن الاشتراكية كان من باب الامنيات لان الشروط الموضوعية لم تكتمل بعد لبناء الاشتراكية ولا يمكن لاحد وقف عجلة التطور او رسم مساره بالحتمية التي يرغبها فعندما تتحقق التنمية ويرتفع دخل الفرد قد تتغير مفاهيم كثيرة وتبتكر الشعوب اساليب لاقتسام المكاسب لم تكن معروفة سابقا وقد يتغير مفهوم الاشتراكية عما كان عليه في النظريات الاشتراكية. الهم الوطني الان هو التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي هي فعل اقتصادي ارادي مخطط يمكن ان نصل به الى نتائج مقبولة اذا تضافرت كل الجهود في مجتمعنا على اساس عقد اجتماعي جديد يقوم على التعاون بين فئات وطبقات المجتمع بدلا من صراعها على الشعارات. يدافع البعض عن اقتصاد السوق الحر المنفلت من اية قيود يمكن ان تنظمه غير مهتمين بالظواهر الاجتماعية السلبية التي عانت منها الاقتصادات الرأسمالية في بداية تطورها وتعاني منها الاقتصادات المتحولة الى اقتصاد السوق الحر من دون ضوابط اضف الى ذلك ضآلة المردود الاقتصادي الذي حصلت عليه الدول المتحولة نتيجة انتقالها الى اقتصاد السوق المتوحش وتعدد المافيات والطحالب التي تشكلت بسرعة على حوافي السير باتجاه اقتصاد السوق الحر. ان تجربة الدول المتقدمة بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة في المانيا واليابان وتدرجها في تحقيق الانسجام بين المسألتين الاقتصادية (النمو الاقتصاي) والاجتماعية (التوسع التدريجي في شبكات الحماية الاجتماعية) وكذلك تجربة النمور الاسيوية تشكل مرجعا واسعا لتطوير تنفيذ مقولتنا في اقتصاد السوق الاجتماعي بما يتوافق مع خصوصية الاقتصاد السوري وتسارع خطوات نموه. من غير مواربة اقتصاد السوق الاجتماعي هو شكل من اشكال اقتصاد السوق وليس مرحلة انتقالية الى اقتصاد السوق الحر او الى الاشتراكية انه شكل خاص من السوق لا تستقيل الدولة فيه من مهامها الاقتصادية والاجتماعية وانما تمارس هذا الدور لتشجيع القطاع الخاص والمبادرة الفردية على الدخول الى القطاعات والانشطة الاقتصادية لزيادة النمو الاقتصادي والاسهام في حل المسائل الاجتماعية. في سورية يجب ان نبني اقتصاد سوق يحقق التنمية الاقتصادية ولا يهمل الجانب الاجتماعي نبني اقتصادا مستقرا قادرا على المنافسة وزيادة الانتاج مع توفير آلية عدالة التوزيع وما نحتاج اليه فعلا هو توضيح المضمون الاقتصادي والاجتماعي لمقولة اقتصاد السوق الاجتماعي ليس كمرحلة انتقالية بل كاقتصاد سوق ذي طبيعة اجتماعية كما هو عليه الحال في كل دول الديموقراطيات الاشتراكية اي دول اقتصاد السوق التي تحكمها احزاب اشتراكية ديموقراطية. ولا نستخدم تعبير التحول الى اقتصاد السوق كما يزعم البعض فنحن نعيش اقتصاد السوق ما نحتاج اليه هو الانتقال من اقتصاد السوق المشوه الى اقتصاد سوق اجتماعي بمعنى قوننة اقتصاد السوق القائم وتنظيمه اجتماعيا, الانتقال من السوق غير النظامي الى سوق نظامي تتحدد فيه حقوق وواجبات كل الفعاليات الاقتصادية على نحو واضح في علاقاتها مع المجتمع نحن بحاجة لتنظيم آلية السوق في سورية بحيث لا تتعارض مع الاهداف الاجتماعية واقتصاد السوق الاجتماعي ليس تغليبا للجانب الاجتماعي على الجانب الاقتصادي انه يجعل النمو الاقتصادي في خدمة الهدف الاجتماعي ويجعل التقدم الاجتماعي في خدمة النمو الاقتصادي بمعنى اخر خلق آلية عمل السوق بحيث توفر الشروط الضرورية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ورفع معدلات النمو لبناء اقتصاد وطني قادر على استمرارية النمو وفقا لآليته الذاتية وفي الحقيقة لم يستطع اي بلد تحقيق اقتصاد سوق من دون اخذ الجانب الاجتماعي في الحسبان مثل توفير شبكات الحماية الاجتماعية وتأمين الخدمات المجانية للضعفاء اقتصاديا فقط في ظل العولمة وهيمنة بعض الاقتصادات الكبرى والشركات المتعددة الجنسية على السوق الدولية وتمكنها من جمع الفائض الاقتصادي من الاقتصادات التابعة وتحقيق ارتفاع كبير في الناتج القومي وحصة الفرد منه .ظهر الى العلن الدعوة الى الليبرالية المتوحشة من اجل زيادة التراكم الرأسمالي لان المسألة الاجتماعية وتأمين مستوى المعيشة المقبول لكل المواطنين اصبح ممكنا على حساب الفوائض المتحققة في الخارج حتى في حال كون الخدمات مدفوعة. مشكلتنا الاقتصادية ليست ولم تكن مشكلة شعارات وانما كانت في النظرة الاحادية الجانب لاي مشكلة تواجهنا وفي تغليب عنصر ايديولوجي او مصلحي على عنصر اخر يجب الا نقع في تطرف اخر او في خطأ اخر يحرمنا من الاستفادة من فرصة السير في اقتصاد السوق الاجتماعي .نسمع اليوم الكثير من الكلام عن اقتصاد السوق وعن تقليص دور القطاع العام حتى الغائه لحساب القطاع الخاص .يتكلم الكثيرون في هذا الاتجاه انطلاقا من الايديولوجيا دون ان يكلفوا انفسهم مشقة تحليل وقائع الاقتصاد السوري وتعرف سبب تراجع النمو فيه وللبحث صلة! * وزير سابق |
|