|
شؤون سياسية وثمة انتخابات في الحزب الشيوعي الحاكم في الصين , وأخيراَ انتخابات الرئيس الأميركي )) المقررة في شهر تشرين الثاني لهذا العام ... وفي الوقت الذي لم يحدث فيه الكثير من الضجيج الإعلامي حول انتخاب رؤساء دول العظمى مثل / بوتين وهولاند / نلمس الاهتمام الواسع إعلاميا على صعيد انتخابات الرئاسة الأميركية التي أصبحت من الناحية الفعلية شأناً عالمياً على الرغم من كونها بالأساس شأناً أميركياً محلياً . إن الانتخابات الرئاسية الأميركية تبقى الأكثر تعقيدا وإثارة وتكلفة وطولاً من بين جميع انتخابات الرئاسة في العالم , لأنها معركة تستخدم فيها الأموال وأسلحة الإعلام , ويجيش لها الرأي العام بشكل منقطع النظير . المفاجأة الأولى : ولكن المفاجأة الأكبر في نهاية الأمر أن الناخب الأميركي لا ينتخب الرئيس في الانتخابات العامة , بل ان من ينتخب الرئيس , هم أعضاء المجتمع الانتخابي البالغ عددهم / 538 / شخصية سياسية من الحزب الجمهوري , و 538 شخصية أخرى من الحزب الديمقراطي , أما لماذا هذا الرقم بالذات أي /538 / , فلأنه يعادل مجموع عدد أعضاء مجلس الشيوخ الـ 100 وعدد أعضاء مجلس النواب الـ 435 , و 3 ممثلين من العاصمة واشنطن غير الممثلة في الكونغرس الأميركي , هذا الأمر معمول به حسب الدستور الأميركي ونظرة ما يسمى بـ (( الآباء المؤسسين )) الذين لم يثقوا بحكمة وقرار الناخب العادي الذي كان يومها / أي قبل 220 عاماً / أمياً وفقيراً وفلاحاً حسب وجهة نظرهم أما دور الانتخابات الشعبية للناخبين الأميركيين يوم الاقتراع فيقرر من يفوز بكل ولاية والشيء المثير للجدل أن من يفوز بأصوات ولاية ( نييورك )) في التصويت الشعبي يحصل على جميع أصوات المجمع الانتخابي الـ 29 , أما منافسه فلا يحصل على أي مقعد من مقاعد هيئة الناخبين حتى ولو فاز بنسبة 49% من التصويت الشعبي. والأفضلية والأولوية في نظام المجمع الانتخابي هي للولايات الكبيرة فمثلاً , لولاية كاليفورنيا /55 // صوتاً في المجمع الانتخابي , وولاية تكساس / 38 / صوتاً , ولايتي نيويورك وفلوريدا 29 صوتا لكل منهما , بينما الولايات الصغيرة , تكون أصواتها محدودة أو قليلة , فمثلا 3 أصوات لولاية / ألاسكا/ و 3 أصوات لولاية / ود إيلاند / و4 أصوات لولاية / هاواي / وهي ولايات لا يزورها عادةً أي من المرشحين . هذا وليس مهماً أيضاً كم مليوناً يصوت , أو كم مليون صوت حصل عليه المرشح, ولا توجد نسبة محددة على الفائز أن يحصل عليها كما في مصر أو فرنسا وإلا تجري جولة إعادة بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر نسبة من الأصوات , بل يصبح رئيساً كل من يحصل على ما لايقل عن / 270 / صوتا من أصوات المجمع الانتخابي وعلى سبيل المثال حصل الرئيس أوباما على 66.11.7.432 مليون صوت في التصويت الشعبي , ومنافسة (( ماكين )) على حوالي 60 مليون صوت , ولكن ما حسم منصب الرئيس هو الـ 173 صوتاً من أصوات هيئة الناخبين . وهكذا من الملاحظ أن مثل هذه التعقيدات يصعب فهمها حتى على المواطن الأميركي نفسه , فكيف يمكن أن يفهمها غير الأميركي ؟! من جهة أخرى , بلغ مدى التشكيك من قبل الآباء المؤسسين للولايات المتحدة بصلاحيات الرئيس واحتمال اساءة استخدام هذه الصلاحيات حداً جعلهم يوافقون في الدستور على وضع قيود أو شروط على الرئيس خاصة أنهم أي الأميركيين كانوا قد عانوا من اضطهاد ملوك أوروبا ومن تسلط الكنيسة وفروا من ذلك , ومن هذه القيود : الدستور والمحكمة العليا والرأي العام والإعلام , وبالتالي لا يمكنه أن يتخذ قرارات دون أن يحاسب عليها . إذاً هناك قيود على الرئيس الأميركي رغم تعاظم صلاحياته في الداخل والخارج وهكذا , فإن نظام الحزبين تكرس في الولايات المتحدة طوال / 220 / عاماً , وازداد عزوف الأميركيين عن تشكيل حزب ثالث ينافس الحزبين , ويغير من طبيعة هذا النظام الأميركي , ويحد من الفساد السياسي فيه . ولكن رغم كل ذلك يبقى القرار الحاسم للمال وأصحاب المصالح وجماعات الضغط وقوة تأثير الإعلام في توجيه قرار الناخب المشتت . المفاجأة الثانية : والمفاجأة الأخرى هي أن من ينتخب الرئيس الأميركي في نهاية المطاف ليس الشعب , بل المال والإعلام وأصحاب المصالح , ولذلك فالمال هو عصب الحياة في سباق الرئاسة , ومن المتوقع أن تصل تكلفة انتخابات الرئاسة من اموال اللجنة الحزبية والمتبرعين الكبار وحتى الناخبين الى / 2.5 / بليون دولار . ولذلك وضعت مجلة (( تايم الأميركية )) موضوع وصورة الغلاف على النحو الآتي : صورة للبيت الأبيض تحته إشارة من شركة عقارية (( للبيع بـ / 2.5 / بليون دولار ! )) , وهذا مؤشر واضح على طغيان المال والإعلام في حملات السباق الرئاسي .... إذاً , هذه هي ديمقراطية الولايات المتحدة الأميركية التي يتم التغني بها والعمل على تصديرها للخارج رغم أنها مفصلة وكما رأينا على المقاس الأميركي . ومن الملفت للنظر والمدهش أن بعض المحللين والخبراء الأميركيين المتعصبين لنظام الديمقراطية الأميركية هذا يطالبون بإعطاء حق التصويت لمن يرغب من شعوب العالم في انتخاب الرئيس الأميركي بسبب ما يسمونه محورية ، وأهمية القرارات التي يتخذها زعيم الدولة الأقوى والأغنى في العالم , لأنها تؤثر على حياة وواقع ومستقبل الكثير من الشعوب ولكن مثل هذه الأصوات التي ارتفعت لفترة ما أخذت تغيب في ظل ما يجري في العالم من تحولات باتجاه رفض إنفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم بعد أن عانت دول وشعوب كثيرة من ويلات هذا الانفراد المتسلط . |
|