|
شؤون سياسية وبعض المحللين يقولون , هل كانت هذه التفجيرات نعمة أم نقمة على الولايات المتحدة الأمريكية من جهة , والمجتمع الدولي من جهة ثانية , فالكثير من المراقبين يرون أن ما جرى في الولايات المتحدة أعطى الأسس اللازمة للبدء بتطبيق مشروع أمريكي قوامه السيطرة المطلقة على العالم وضرب أي بلد في العالم بحجة مكافحة الإرهاب , مما أعطى الذرائع للتدخل في أي مكان في العالم , والذي يتابع وتيرة الأحداث يلاحظ طبيعة السياسات والتحالفات التي قامت بها الولايات المتحدة لوضع مخططاتها وتصوراتها حول طبيعة ماتريده , أي بمعنى آخر كيف تريد أن تشكل العالم إن صح التعبير . إن ماجرى في أيلول غير مفاهيم كثيرة كانت مؤطرة أو لنقل جاهزة , ومن أهم هذه التغيرات يكمن في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم دفن الكثير من الأفكار الجاهزة بنفس اللحظة التي تم دفن ضحايا الهجمات , هذه الأفكار التي حددت السياسات والموازنات خلال عقد تقريبا بعضها يعود تاريخه إلى عدة عقود مضت وبعضها الآخر إلى انتخابات جورج دبليو بوش آنذاك , تم استبدالها بحقائق قديمة وفرضيات جديدة قد لاتقل خطرا عن تلك التي تم التخلي عنها , ومن بين الأفكار , تلك القائلة بأن التكنولوجيا تجعل من الولايات المتحدة قلعة محصنة , وفي هذه الحالة فإن فكرة نظام دفاع مضاد للصواريخ تبدو وكأنها انهارت , رغم معارضة طبقة سياسية واقتصادية استثمرت مصالحها بقوة في هذا البرنامج . الفكرة الأخرى التي انهارت هي التي تؤكد أن التفوق العسكري الهائل مرتبط بالأمن , في حين أن مفهوم الحرب غير المتناظرة يشير إلى أن الخصم يمكن أن يحارب مجتمعا يمتلك تكنولوجيا فائقة التقدم عبر استخدام تكنولوجيا متواضعة وفي الانتفاضة الفلسطينية عبر مراحلها دليل على ذلك , وهذا الأمر ليسى بجديد , فهناك حالات لم يكن فيها التفوق الساحق دائما لصالح الفريق الأقوى , وهذا الأمر تم رصده من خلال دراسات تتابع حركة الحروب عبر التاريخ والتي أكدت أن أغلب الحروب تم كسبها من قبل الفريق الأضعف , بالطبع كل ذلك يتوقف على الخيار الاستراتيجي وتصميم الأطراف المتصارعة , وليس بالضرورة دائما الطرف الأقوى هو الذي يملك الأسلحة المتطورة و....الخ وإنما تبين انه يمكن وفي حالات كثيرة امتلاك الإرادة والعزيمة يشكل الأساس القوي لإحراز الانتصار , ويمكن القول: إن حرب تموز التي حققت المقاومة اللبنانية فيها أروع الانتصار هوخير شاهد على مانتحدث عنه . يخلط الكثير من المراقبين والباحثين السياسيين بين ميول الهيمنة الأمريكية لأن تكون إمبراطورية وبين ظاهرة العولمة , فهما لايعنيان نفس الشيء حتى عندما يشير الخطاب المهيمن إلى العولمة , كون الولايات المتحدة تصنف كقوة عظمى , ولكن هذا لايعني أن العولمة مرتبطة بهذه الهيمنة , فالظاهرتان متمايزتان , فالهيمنة هي سلوك سياسي عسكري اقتصادي واجتماعي وثقافي , أما العولمة فهي حالة قائمة لارجعة عنها نجمت عن الثورة التكنولوجية وأفرزت نتائج اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية . الواقع يشير إلى أن العولمة وجدت منذ القدم , منذ أن دخلت المجتمعات البشرية في مبادلات وتجارة , والذي اختلف ببساطة وتيرة هذه المبادلات والتجارة التي تعكس المستوى التكنولوجي للمرحلة , صراع الإمبراطوريات الاستعمارية للسيطرة على طرق التجارة والذي استبدل بالصراع على النفط , فالمبادلات كانت دائما وستبقى . إن الولايات المتحدة الأمريكية اعتبرت نفسها منذ أحداث أيلول أنها اللاعب الوحيد القادر على فرض رؤيته الكونية التي تناسبه , فبرأي المتابعين يرون أن الحملة العسكرية على أفغانستان من وجهة النظر الأمريكية سيكون لها اثر كبير في إيجاد حالة قلق لدى أنظمة المنطقة وحتى خارجها , إضافة إلى ماجرى في العراق وصولا إلى مايجري في المنطقة العربية تحت تسميات مختلفة أرادتها الولايات المتحدة شعارات براقة للوصول إلى أهدافها , والأيام أثبتت وستثبت أن مفهوم النظام العالمي الجديد التي تحاول الولايات المتحدة صياغته حسب قناعاتها بعيد المنال , فالعالم أكثر تعقيدا من أن تتم قولبته حسب نماذج محددة , العالم سيكون دائما شاهدا على توترات تتباين في عنفها , تنجم عن خلل اقتصادي وسياسي بين الدول الغنية والدول الفقيرة , نحن نشهد منذ أحداث أيلول فوضى عالمية أكثر مما هي نظام عالمي جديد , وتبين عبر الفترة الماضية وما يجري حاليا من أحداث أن هيمنة الولايات المتحدة ليست سوى حل على المدى القصير وسيخلق ذلك أكثر من مشكلة لايمكن حلها , والملاحظة التي يراها الجميع هوتهميش دور الأمم المتحدة في الأزمات الحديثة , وهذا بحد ذاته يعكس الخلل بين الولايات المتحدة وبقية العالم , ولابد من القول انه من غير المنطقي التفكير بأن الولايات المتحدة سوف تكبح بنفسها ميولها للسيطرة , إذيتوجب على بقية العالم تحمل مسؤولياته والدفع بفكرة التعاون بهدف تثبت نوعاً من التوازن بين الأمم والبلدان . |
|