|
مسرح وهل يمكن للجسد التعبير عن أكثر الحالات التفاعلية و الدرامية رقصا،و دون نطق ؟هذا ما تجيب عليه وتجسده الكثير من التجارب المسرحية في مجال الرقص التعبيري ،كان منها عرض (دقائق ) لفرقة (سمه) إشراف (علاء كريميد)
،حيث تعيد الفرقة عروضها من فترة لأخرى ،على صالات المسارح السورية، إذ أكدت تميزها في عالم مسرح الرقص التعبيري مثلها، مثل الفرق السورية الأخرى،التي تختص بهذا اللون الفني ،إذ تجلى في أعمالها أيضا، الإتقان لهذا اللون المسرحي بكل عناصره وطقوسه وتفاصيله ،والذي بات يجد حضوره في حياة الجمهور السوري ،و يلاقي الإقبال والمتابعة ، وهذا لم يأت من فراغ ،بل تحقق من خلال إبداعات متألقة ،ترسخ لفن راق ،يعتمد على تاريخ طويل من الدراما ،كما على علوم مسرحية خاصة ،والتي يأبى الإبداع فيها الركون إلى آفاق فنية ذات لون واحد ، بل يسعى إلى التجدد ، لذلك يتواجد الابتكار دوما ،وتحديدا عندما تتأسس لغة العرض ،على المفردة المسرحية الأولى في تاريخ الدراما المسرحية ،ألا وهي الرقص ،ذلك التعبير الصامت أبداً، لكنه ورغم صمته ،فقد أرخ للكثير ،فكان منذ البداية يجسد الابتهال والتقرب من الإله ،فالبحث في أصول كثير من الرقصات ،تظهر ارتباطها بحوادث إنسانية مؤثرة،ولابد من الذكر هنا ان اول من وجه الى مسرح الرقص التعبيري،هو احتجاج نسائي على الظلم ،وتفاصيل هذا الفن ،تمنحه إمكانات التعبير بلا حدود ، وقد أتقنها فنانو سورية ، وأخرجوا للنور أعمالا عديدة ،أبدعت في مفردات عالم الرقص التعبيري ،و ترجمت علومه بالشكل الصحيح ،بعد دراستها في قسم الرقص ، التابع للمعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق،كما أن غالبية أعضاء الفرق درست في هذا القسم، درسوا و تدربوا و أنجزوا ،فتمكنوا من الوصول إلى أداء أخاذ، و المقدرة لبلورة أبجدياته و مفرداته ،في الإتقان لهذا الفن من جهة ومن جهة أخرى ،الترسيخ لحضورها عند المتلقي السوري ،و قد ساهمت الخبرات الفنية الأكاديمية في بلورة هذا الفن ككل،وتحقيق النجاح لها، بترجمتها إلى انتاجات إبداعية مستمرة ، و قد بنيت العروض على لغة الجسد ،بأبعاد وآفاق لم تكن مألوفة ، فاضطلع الجمهور السوري، على آليات فن يمتلك أدوات تعبيرية ،مغرقة في خصوصيتها ،لكنها في تفاعلها وعلاقتها مع الواقع ،تظهر شمولية إمكاناتها للتعبير عن كل المفاهيم في الحياة ،وقد أظهرت لوحات العرض الكثيرة،كل ذلك ،فكانت أفكاره من صميم الحياة ،جسدها فنانون مهرة ،فعبروا عن كل شيء، فعرض (دقائق) تضمن لوحات مشهديه ، تكاملت الأفكار فيها مع الحالات الدرامية العميقة مع الأساليب الفنية ، رغم تنوع العناوين ،فكان هناك(سباق ) و(إشارات ) (امرأة)(يا وطن) ، وغيرها الكثير وقد تألقت الفرقة في تكويناتها المتعددة ،و في أدواتها إلى حد ، تمكنت من التعبير عن حالات إنسانية كثيرة، منها الحزن ،ومنها الفرح ،ثم التنافس،الخوف ،هذا عدا عن التعبير عن الكثير عن الحالات التفاعلية التصاعدية، كما خاطبت العواطف الإنسانية و الوطنية والمشاعر، حيث تنوعت لوحاتها ،فتجلى بوضوح، كيف يمكن للمسرح الراقص الوصول لأي حالة من الحالات الدرامية، مهما كانت ،حيث لكل حالة معادلها الحركي و إيحاءاتها و إشاراتها الخاصة، تلك التي تمكنت من إتقانها فرقة( سمة) بامتياز، وخصوصا أن المسرح التعبيري يعتمد أصلا على الأحاسيس ،إذ يترجمها الفنان بلغته الجسدية، و يعيد إنتاجها على شكل تجليات إبداعية متنوعة ، أوصلت هنا مقولات و حالات و مشاعر ، من هنا،ومن خلال تلك العوالم المتألقة في العرض،في اتجاهات عدة،يتبين كيف يمكن للمسرح الراقص و لغته أن يعبر بدقة، عن كل ما يعيشه الإنسان، وبالحركة الراقصة المدروسة والذكية المتقنة،التي ألم بها هؤلاء الفنانون باقتدار، تمكنوا من أن يقدموا عوالم حياتية كثيرة،وذلك من خلال أبجديات لها دلالاتها و رمزيتها ،فقد كونت لغة بأكملها ،ما أهلها الإعراب عن أشياء شاملة، قد تكون من أدق التفاصيل، و بالتالي ومن جهة أخرى ، يمكن لهذا الفن أن يعبر عن ثقافة وما تحتويه من خصوصيات وهوية وموروث اجتماعي ،مثلا عرض(دقائق) قدم مشاهد حياتية كثيرة ،مرت على مسائل اجتماعية و عواطف إنسانية عديدة منها العلاقة بالأم، ثم عرج على لوحات حول قضايا وطنية ،وبعدها قدم لوحة فيها رثاء ، وغيرها الكثير من الأفكار والحالات ،التي تم الإيحاء لها بآليات فنية متقنة،وذلك بسبب تمكن الفرقة من إغناء لوحاتها البصرية ،ودقة أدواتها ، حيث تلاقت تقنيات الرقص مع المعاني، ما يؤكد حضور مهارات خاصة،امتلكت مفردات تعبيرية ،اكتنزت بالمفاهيم و الأفكار،تلك التي تسللت بين ثنايا الحركة الراقصة الذكية وإشاراتها ،حيث تجلت مقدرات فنية عالية المستوى، و ظهر بوضوح الإتقان لمبادئ الرقص و حركاته المتلازمة مع المعاني، ثم المهارات، التي أكدت إمكانات الفنانين و تدربهم ،حيث برزت في المرونة والانسيابية و تجاوبهم الدقيق و المدروس مع الموسيقا، ثم في الأداء المتمكن من النقل، لعالم من الأحاسيس ،ففن الرقص التعبيري فن مركب يجمع اتجاهات فنية عديدة، ليمكنه من بلورة مفرداته الخاصة ، فهو يتلازم مع الموسيقا بالضرورة ، و فن الرقص و الإيحاء الدرامي ، و قد ترافق مع اللوحات موسيقا مبدعة بحق، حققت التناغم الفني،الذي ساعد بدوره ،على تمظهر حالات درامية كثيرة، هذا عدا عن كون(دقائق)عرض يحتاج لكل المؤثرات الأخرى و العناصر المسرحية من الإضاءة المناسبة و الديكور و الأزياء و غيرها.....وقد حققها بامتياز،كما لفت العرض النظر ، بأزيائه الخاصة أسوة بمعطيات العرض الإبداعية العديدة، تلك التي تكاملت بدورها مع العناصر الأخرى ،لإضفاء لمسات فنية لها خصوصيتها . |
|