|
شؤون سياسية دويلات ضعيفة، غير قادرة على مقاومة مطامع الهيمنة عليها، واستنزاف خيراتها، وتحويلها إلى قواعد للمستعمرين الأمريكان والصهاينة، كما هو حال الجنوب السوداني اليوم، والمقصود بذلك شعوب هذه الدويلات المخدومة بنعيم الانفصال المزيف، بفعل خيانة وتآمر زعمائها الجدد، المرتبطين عضوياً بالمصالح الاحتكارية الأميركية، ومصالح إسرائيل الطامعة تاريخياً بترسيخ أقدامها في السودان والقارة الأفريقية، خلافها لمصالح شعوب القارة السوداء. كما لم ينتبه الشعب السوداني، إلى أن مشكلاته ليست بسبب وحدة وطنه الجغرافية والسياسية، بل بسبب افتعال هذه المشكلات وتأجيجها أميركياً وغربياً، دافعينه إلى قناعة واهية بأن حل المشكلات والمعضلات التي يواجهها غير ممكنة إلا بانفصاله، هذه السياسة القائمة على فلسفة أحد أذكى وأخبث المنظرين الأميركيين، وهو الدبلوماسي المخضرم اليهودي هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركية الأسبق، الذي كان دائماً يفضل إدارة النزاعات في العالم عوضاً عن حلها، هذه السياسة التي طبقها كيسنجر على الصراع في الشرق الأوسط، إذ جعل الصراع يتعاظم ويزداد سوءاً، أملاً في إيصال عدوه العربي إلى مرحلة اليأس ومن ثم إرغامه على قبول ما ليس في مصلحة شعوب المنطقة وحقوقها المشروعة، والذي وجد تجلياته الواقعية في تيارات ما يسمى الاعتدال العربي، التي ألقت بأسلحتها الوطنية المقاومة، وقبلت إملاءات الأميركي والإسرائيلي إلى حد الاستسلام الكامل لما يخطط له ويطمح إلى تحقيقه في المنطقة، وهذه السياسة بالذات ما يراد تنفيذها في السودان والقرن الأفريقي، تحت نفس الشعارات والمشاريع الأميركية المعهودة، والتي اتخذت في الشرق الأوسط «الشرق أوسطية» وصولاً إلى «مشروع الشرق الأوسط الكبير» وفي أفريقيا «مشروع القرن الأفريقي الكبير». وهذا ما يفسر زيادة التوتر في الصومال وفي السودان، الصراع الحالي بين الجنوب السوداني وشماله حول المناطق الغنية بالثروة النفطية. وإذا كان انفصال الجنوب السوداني يخفي الصراع من أجل تقاسم الثروة النفطية، فإن ملامح هذا الصراع يمتد بشكل خفي أحياناً وعلني أحياناً أخرى، إلى دارفور وكردفان وآبيي، هذه المناطق الغنية بالنفط واليورانيوم، إضافة إلى الصراع على ترسيم الحدود والمياه والمراعي وغير ذلك. والمشكلة بين الشمال والجنوب اليوم، تكمن أساساً في تقاسم الثروة النفطية، فالشمال يفتقد النفط، ولكنه الطريق الوحيد لعبور الصادرات النفطية من الجنوب، والجنوب غني بالنفط (يمتلك 80٪ من ثروة السودان النفطية) ولكنه يفتقد السبيل لتصديره إلا عبر الشمال، رغم محاولاته الكثيرة لإيجاد معبر آخر ولكنه فشل حتى الآن، وهذه الحالة دفعت الجانبان لتوقيع اتفاقية انفصال الجنوب، مقابل تقاسم النفط مناصفة، إلا أن الجنوبيين سرعان ما تنكروا لهذه الاتفاقية بعد الانفصال بذريعة أنها مجحفة بحقهم. وكان من نتيجة الخلافات حول ذلك توقف إنتاج النفط وتصديره لأكثر من مرة، رغم التأثير الكارثي لهذا التوقف على اقتصاد البلدين، لاسيما وأن ميزانية الدويلة الجنوبية تعتمد على 90٪ من عائدات النفط، واستغلت الولايات المتحدة وإسرائيل هذه الوضعية لتأجيج الخلافات بين الجنوب والشمال، أولاً من أجل خلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار، ودفع هذه الحالة إلى المناطق المتأزمة أصلاً في آبيي ودارفور، لخلق البيئة المناسبة للانفصال أيضاً عن الجسم السوداني، وإذا ما حدث ذلك فإن الحلم الأميركي الصهيوني يكون قد اقترب من التحقيق، تنفيذاً لمشروعهما الخبيث «القرن الأفريقي الكبير» المهيمن عليه أميركياً وإسرائيلياً، وفي ضوء هذا المشروع يمكن أن ننظر إلى الحالة التوتر في الصومال ومصر وغيرها من الدول الأفريقية. لقد صدقت توقعات الكثير ممن يغار على مصالح الشعب السوداني، بأن انفصال الجنوب كان وسيبقى بمثابة الخنجر المسموم المغروز في الجسم السوداني، والذي سيكون له نتائج سيئة وحتى كارثية على العديد من دول القارة الأفريقية المشابهة للسودان من حيث التنوع الديمغرافي للمجتمعات الأفريقية والشرق أوسطية. |
|