تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الملف النووي الإيراني.. بين التهديد الإسرائيلي والعجز الأميركي

شؤون سياسية
الخميس 26-4-2012
احمد برغل

تهديدات إسرائيل والغرب المتواصلة بضرب المنشآت النووية الإيرانية , وتدمير ها تحت ذريعة أنها تخفي في طياتها العمل على إنتاج قنبلة نووية , هل هي مجرد

أداة ضغط واختبار ومعرفة نيات الطرف الآخر ومعرفة قدراته وحدود مناوراته, أم هي مجرد تهويلات إعلامية وتصريحات لقادة العدو الصهيوني والغرب الاستعماري بشقيه الأوروبي والأميركي من أجل الإبقاء على هذا الملف حاضرا وساخنا في التداول اليومي إسرائيليا واميركيا وأوروبياً وحتى خليجيا لتبرير نشر الدرع الصاروخية في بلاد الجزيرة العربية لان المطلوب في النهاية تطويق إيران وتجريدها من أصدقائها والعمل على إضعافها وإسقاط دورها باعتباره عقبة في تنفيذ المخططات والمشاريع الصهيو – أميركية , الأمر الذي يقتضي التجييش والتحريض وفرض أقسى العقوبات مع التهديد بشن ضربات عسكرية تستهدف الملف النووي الإيراني .‏‏

احتمال توصل إيران للنووي العسكري كان وما زال كابوسا يقض مضاجع القيادة السياسية الإسرائيلية ما دفعها لإعطاء تعليمات للقيادة العسكرية لوضع خطط وسيناريوهات لشن هجوم صاعق وسريع على المنشآت النووية الإيرانية والترويج لها إعلاميا لجس النبض على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان قد وعد الرئيس الأميركي باراك اوباما في آخر لقاء بينهما في واشنطن بصرف النظر عن شن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية وفي حال تقرر ذلك لابد من التنسيق المسبق بينهما .‏‏

لكن , هل الولايات المتحدة قادرة على القيام بمثل هكذا عمل بغض النظر إلى التداعيات الخطيرة التي تنتج عنه ؟‏‏

لاشك في أن الحرب على إيران تحمل في طياتها تداعيات خطيرة ، ولذلك فإن إدارة الرئيس باراك اوباما تأخذ بعين الاعتبار الربح والخسارة في موضوع الملف النووي الإيراني وأميركا لا تريد الحرب حتى لا تخرج ذليلة كما خرجت من العراق .‏‏

الحديث عن الحرب بالنسبة للولايات المتحدة أمر خطير رغم الإكثار من التصريحات والتهديدات من عدم السماح لإيران بحيازة أسلحة نووية وأن كل الخيارات مطروحة وأن أمن أمن إسرائيل مقدس لكنها في ذات الوقت تدرك جيدا أن الصعود إلى الشجرة دون معرفة كيفية النزول سيؤدي حتما إلى كارثة لا يحمد عقباها .لقد كان لواشنطن حرب فظيعة وغير نظيفة وغير مبررة في العراق وتواجه في أفغانستان اليوم حربا معقدة تثير الاكتئاب ,وقد بدأ اقتصادها في نهاية المطاف ينتعش من أشهر أزمة عرفها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وستجري انتخابات رئاسية في تشرين الثاني المقبل ، ولا يخطر ببالها ان تقوم بفعل ما قد يورطها في حرب ثالثة ، وتهاو اقتصادي جديد‏‏

من هنا كان استبدال التهديدات العسكرية الصاخبة بالحديث عن المفاوضات والعمل الدبلوماسي للتوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني خصوصا بعد الموقف الروسي الحاسم الذي يرفض بالمطلق الدخول الأميركي ، كما أن هجوم إسرائيلي محتمل بدعم أميركي على المنشآت النووية الإيرانية يمكن إن يتسبب باندلاع حرب شاملة لا يمكن التنبؤ بعواقبها وهو تحذير جدي لا يمكن تجاهله لا إسرائيليا ولا أميركيا ولا أوروبيا‏‏

فتجربة العراق ما زالت تلقي بثقلها على المحللين العسكريين الذين يعملون لصالح وكالة الاستخبارات الأميركية (السي أي إيه) والذين لا يريدون تكرار الخطأ اتجاه دفع البلاد نحو هجوم على إيران‏‏

عدا عن ذلك فان طهران تملك قدرات صاروخية هائلة ونوعية وإسرائيل غير قادرة على هزيمة واحدة والولايات المتحدة لم يعد بإمكانها المراهنة على الحرب بعد تشكل محور دولي جديد يرفض الهيمنة الأحادية والاملاءات والكيل بمكيالين وأميركا لم تعد وحيدة في هذا العالم فزمن الاستفزاز الأميركي بشؤون العالم ولى وإيران دولة قوية والهجوم عليها سيكلف غاليا وهو أمر تدركه واشنطن وحلفاؤها الغربيون جيدا والقوة العسكرية الإيرانية ليست كمثيلاتها العربيات وبعض الأسلحة المتوفرة لدى طهران في حال استعمالها ستشكل حربا ليست فقط إقليمية بل عالمية فإيران عدا عن ذلك ما زالت تضع في يدها أوراقا إقليمية عديدة لم تفقد تأثيرها وفعاليتها بعد.‏‏

وأخيرا إذا كان الجميع يقر بسلمية المشروع النووي الإيراني وأن المؤشرات على تحوله إلى نووي عسكري فلماذا تخشى إسرائيل هذا المشروع؟‏‏

إسرائيل تخشى إيران لأكثر من سبب أهمها أن هذه الدولة تعيش اليوم ثورة صناعية في المجال العسكري والتقني والتكنولوجي على قاعدة السيادة القومية وإسرائيل لا تريد بكل بساطة أن يقف أي خصم يمتلك قدرات هائلة في جميع المجالات‏‏

وما تخشاه أكثر هو الموقف الثابت للجمهورية الإسلامية الإيرانية من القضية ودعمها الواضح للشعب الفلسطيني الذي تخلى عنه العرب المشغولون بالتآمر على سورية وشعبها.‏‏

فالإسرائيلي يعتقد اعتقادا جازما أن جزءا كبيرا من مقومات الصمود الشعب الفلسطيني تقف خلفه إيران على الرغم من البعد الجغرافي بالإضافة إلى هذا الدعم الواضح الذي تقدمه إيران للمقاومة الوطنية اللبنانية وما فعله هذا الدعم في العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف العام 2006‏‏

ومن هنا نجد أن الملف النووي الإيراني سيبقى مفتوحا على كل الاحتمالات بمواجهة مفتوحة مع إيران وهي تعلم تمام المعرفة أن هذه المواجهة ستكلفها الكثير من الخسائر المؤلمة والتي لا يمكن تحملها وقد تؤدي إلى زوالها في حال إصرارها على العنجهية والعدوان فإيران لن تتوقف وستستمر في بناء قدراتها النووية مهما فعلت إسرائيل وحماتها القانون الدولي يعطي الحق لكل دولة بامتلاك الطاقة النووية ذات الأغراض السلمية‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية