|
لبنان كما انه احترم المبادئ والقواعد الأساسية – اقله في النص والشكل – التي ترعى السيادة السورية وحق الشعب السوري الحصري في ان يقرر لنفسه من غير املاء خارجي. لكن رغم ذلك فقد كان عند الحريصين هواجس وأسئلة يطرحونها حول سلوك الأطراف الخارجية التي شاركت في العدوان على سورية ولا تزال مستمرة في غيها ويصر بعض مكوناتها على هذا العدوان ويتصرف بشكل منفصل عن الواقع ويتحدث بلغة كما لو ان التاريخ توقف منذ 4 سنوات، والمثل الصارخ على هذه الفئة يتجسد في قطر والسعودية اللتين تتحدثان بلغة ممجوجة عفا عليها الزمن. في الوقت الذي نجد فيه قيادة العدوان وبعض الأطراف الأوربيين المنضوين فيه يتصرفون بشكل من الازدواجية المقيتة المنفرة الى حد اثارة الشبهة والالتباس حول حقيقة ما يبتغون، أهو الحل السياسي ام امر اخر يتخذون من العمل السياسي قناعا له؟ اما سورية وحلفاؤها، فيبدو ان المشهد واضح امامهم ويختصر بالقول بأن في الميدان إرهاب يجب ان يكافح دون أي قيد او شرط ومن غير ارتباط بأي عمل آخر، وان العمل السياسي هو فقط لمن يقتنع به، ويعمل بمقتضى احكامه التي ليس فيها عنف او إرهاب وان لا محل على طاولة التفاوض لمن امتهن القتل والاجرام وألف حياة الاوكار والظلمة ممارسا أبشع الاعمال الإرهابية. في ظل هذا التناقض في المواقف عين دي مستورا ومستندا للقرار 2254 موعدا لمفاوضات إطلاق العملية السياسية في سورية، وحدد تاريخ 25 كانون الثاني \ 2016 في جنيف لبدئها ما يطرح أسئلة كبرى حول هذه العملية والعوائق التي تعترضها وعلى أي إيقاع وبأي شروط تنطلق وتسير. من البديهي ان نقول ان الشرط الأساس في انطلاق المفاوضات هو تعيين الأطراف المشاركة، وإذا كان الراعي معروفا والفريق السوري الرسمي محددا بكل دقة، فإن المشكلة الكبرى تبدو في تحديد أطراف الجهات المعارضة. ففي حين ان السعودية حاولت استباق الأمر وعقدت لحفنة ممن امتلكت قرارهم من سياسيين وإرهابيين مؤتمرا في الرياض أخرجت منه ما أسمته «الهيئة العليا للمفاوضات» فإن مناوراتها تلك لم تقنع القوى الدولية كما انها لم تخدع الحكومة السورية التي تستمر متمسكة بمبدأ «لا تفاوض مع إرهابي». بينما نجد ان من عين في الرياض منسقا لأعمال الهيئة تلك، نجده يعتبر الفصيل الإرهابي المسمى «جيش الإسلام»، العامود الفقري للهيئة، ويعتبر قتل قائده كارثة تفرض اعادة النظر بمسألة التفاوض (على حد ما قاله رياض حجاب). اما الرعاة الحقيقون للمفاوضات – وهم روسيا واميركا – فقد باتوا رغم التباين في الكثير من المواقف حول سورية، باتوا على قناعة بأن مؤتمر الرياض لا يمثل كل المعارضة، وان ما اشير اليه بإيماءة بسيطة في القرار 2254 تؤشر على لقاء القاهرة ولقاء موسكو للمعارضين سيعمل به في تعيين الوفد المفاوض من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وعلى ضوء ذلك فأننا نرى ان هذا التعيين بات رهن عوامل ثلاثة: الأول: موقف الأمين العام للأمم المتحدة وموضعيته واحترامه لواقع المعارضات السورية الداخلية والخارجية وحجم تمثيلها، كما وفرزه المعارض السياسي عن المسلح الإرهابي وانتقاء الوفد من الفئة الأولى واستبعاد الفئة الثانية. الثاني الموقف السعودي وخلفه من يستعمل السعودية وقطر ومعهم تركيا للضغط والابتزاز. فالسعودية التي كانت تعول على زهران علوش باعتباره « قائد جيش سعودي يعمل على الأرض السورية»، تجد نفسها اليوم وقد اقتلعت انيابها وأظفارها بقتله، ولا يغير في الحال ان تسارع الى تعيين البديل الذي لن يستطيع قبل مرور أيام ليست بالقصيرة امتلاك زمام الأمور والمتابعة من حيث سقط علوش، هذا إذا ابقيت للسلف أيام ينطلق بها بعد الخلف. لذلك قد تجد السعودية مصلحتها في التشدد في تعيين الوفد المفاوض من اجل تعطيل المفاوضات حتى لا تذهب اليها وهي خاوية اليدين من أوراق القوة التي كانت تعتقد بها. وبالمناسبة نذكر وللتدليل على أهمية علوش عند السعودية نذكر بما أجاب به وزير خارجيتها الجبير عندما سئل: «تهددون بالعمل العسكري ضد الرئيس بشار الأسد فهل سترسلون جيشا الى سورية؟» فأجاب لدينا جيش هناك يعمل على بعد 10 كلم من قصره وسنرسل المزيد « وكان يعني «جيش» زهران علوش. الثالث الموقف السوري: وهو موقف يتصاعد في سلم القوه والثقة بالنفس و بالحلفاء وبالمستقبل الواعد يوماً بعد يوم. فسورية اليوم وبعد متغيرات الميدان التي سجلت في الأشهر الثلاثة الأخيرة ترى ان التهديد الإرهابي يتراجع بشكل واضح بخاصة ان الإرهابيين فقدوا نسبة 90% من قدراتهم الهجومية ، ثم كانت العمليات النوعية الرائعة في كل الجبهات الرئيسية من الجنوب الى الشمال بما في ذلك ارياف حلب واللاذقية و حماة وحمص و الأهم الان ما يجري في ريف دمشق بغوطاته كلها ، حيث ان المدينة تسارع الخطا للخروج من دائرة التهديد الإرهابي بشكل اكيد خاصة بعد الاجهاز على علوش و اركانه و تضعضع عصاباته وبعد الخرق المهم في مرج السلطان و داريا و المعظمية والمصالحة في الحجر الأسود ( رغم تجميد التنفيذ فقد أحدثت تغييراً مهماً) وتصاعد الحديث عن عملية عسكرية و مصالحات يعد لها تفضي الى تطهير كامل محيط دمشق من الارهاب. لكل ذلك فإن سورية تستشعر انها تمتلك فائضاً من القوة لن تفرط به وأنها ستمارس حق الفيتو على وجود أي إرهابي في وفد المعارضات، الامر الذي لن يريح قوى العدوان على سورية، بخاصة قطر التي سعت لدى روسيا لتأجيل وضع لائحة الإرهابيين إلى ما بعد انطلاق المفاوضات مؤملة بأن ينخرط في الوفد المفاوض بعض عناصر جبهة النصرة الإرهابية تحت تسميات جديدة تبتدع، والسعودية التي أصرت على اعتبار «جيش الإسلام» الذي حرق السوريين وهم احياء، اعتباره «معارضة معتدلة» مع «احرار الشام» الإرهابي. على ضوء ما تقدم نجد ان العملية السياسية والمفاوضات حولها ورغم تعيين موعد الانطلاق، ليس محسوما أمرها بعد، وإذا كانت سورية على اتم الجهوزية للمشاركة بها جهوزية تنظيمية وسياسية وميدانية فان الفريق الاخر يعاني من تشتت وتصدع تنظيمي ووهن ميداني وغموض والتباس وشبهة سياسية، فهل تنطلق المفاوضات في هذا الحال؟ سيكون لسورية مصلحة اكيدة في انطلاقها في هذه الظروف، فاذا تعثرت فستكون سورية قادرة على استثمار التعثر وكشف المعرقلين والاستمرار في الخط البياني الصاعد قوة وإنجازاً في الميدان حماية لحقوق الشعب السوري وتثبيتاً للدولة السورية بذاتها ولموقعها الجيوسياسي ودورها الاستراتيجي في قلب محور المقاومة. * استاذ جامعي وباحث استراتيجي |
|