|
مراسلون ، صار واجباً علينا أن نذكر اسمها (قلعة العريمة) لنميزها عن قلعة الحصن أو قلعة المرقب أو برج صافيتا.. الخ. حفظنا حكاياها عن ظهر قلب نقلاً عن أبنائنا، ورحنا نفتش بين أعشابها وأشواكها عن بقايا تلك الحكايات فما وجدنا منها إلا القليل لأن عين الرقابة أغمضت دونها كلياً! السمعة المعتقة للقلعة جعلتها مقصداً للباحثين عن عبق التاريخ، لكن ما إن يصلوها حتى يصابوا بالدهشة نتيجة واقعها المتردي جداً، حيث أتت الأعشاب والأشواك وشجيرات البطم على معظم ملامحها ومعالمها، كما أدت الانهيارات المستمرة في جدران قاعاتها وسورها الخارجي إلى تشويه حقيقي لهويتها، كما أن تعامل ابن المنطقة مع بعض تفاصيل هذه القلعة ساهم في خرابها أيضاً. إلى الشمال الغربي من بلدة الصفصافة وإلى الجنوب الغربي من صافيتا وعلى خط نظري لا يتعدى الـ (10) كم عن شاطئ البحر ترتفع قلعة العريمة، ولأنها تعاملت مع عريها بطريقة التكيّف التلقائي فقد كست هامتها وسفوحها بموجة كبيرة من أشجار البلوط والسنديان، وتحاول أشجار البطم التي نمت على سورها تماماً ألا تقسو على حجارة تلك الأيام، وكل ما أحدثته هي أنها أدت إلى انهيارات تسمح لجذورها بالوصول إلى دسم الحكاية التاريخية هناك لتتغذى عليها في ظل عدم سعي المسؤولين في طرطوس لوضع هذا الغذاء (كامل الدسم) على موائد رواد التاريخ! المعلومات المتوفرة لدى مديرية آثار طرطوس عن قلعة العريمة هي ما ورد في كتاب (القلاع والمواقع الأثرية في محافظة طرطوس) للدكتورة زكية حنا والتي تقول عن هذه القلعة: تسميتها بالعربية أرامية وعُريمة وقلعة عريمة، وبالأجنبية (arima) و (orima) و (areima)، تقع هذه القلعة على هضبة صخرية على بعد 25 كم من طرطوس، قلعة متهدمة تربض فوق جرف يتاخم السهل العريض (سهل عكار) وتتحكم في مدخل وادي الأبرش. يرجع تاريخ القلعة إلى عهد قديم غير معروف، وربما كانت من ممالك أوغاريت الآرامية تخميناً من اسمها الأجنبي (arima) واعتماداً على الكسر الفخارية التي وجدت حولها وفي داخلها تشير إلى أنها تعود إلى الحقب الرومانية اليونانية والبيزنطية وبسبب استحالة القيام بالتنقيب فيها أو عمل سبر أثري منهجي لانستطيع تحديد تاريخها الأول، ولقد ورد أول ذكر للقلعة في المصادر التاريخية بانتقالها من مالكيها الطرابلسيين إلى الكونت دوتولوز وذلك عندما قدم فرسان الاسبتارية إلى طرابلس عام 1142م واتخاذهم قلعة الحصن وأصبحت مركزاً لهم للدفاع والانطلاق لباقي الأراضي. وهناك بعض التفاصيل الأخرى عن قلعة العريمة حيث يستطيع زائرها أن أن يرى وبكل وضوح جبّاً عميقاً (عمقه حوالي 5 أمتار) سُدّت نهايته ببعض الصخور الكبيرة، وقصة هذا الجبّ كما تقول الرواية الشعبية: إنه متصل بنفق يصل إلى شاطئ البحر عند قرية المنطار وإن الصليبيين كانوا يستخدمون هذا النفق للهرب عندما يداهمهم الخطر! لم يبحث أحد في هذه الحكاية فيؤكدها أو ينفيها، وما عندنا بشكل أكيد هو أنّ الجبّ موجود والصخور الموضوعة بأسفله تشير وكأنها تخفي سراً خلفها، وحتى الآن لم يبحث أحد عن حل لهذا اللغز، بل تُركت فتحة الجبّ مكشوفة كمطب طبيعي لزائري هذه القلعة المنسية، وقد كان كاتب هذه السطور شاهد عيان على سقوط طفل كان ضمن رحلة مدرسية من قرية طيبة الإمام في هذا الجب وساهم بإخراجه من هذا الجب قبل أن يموت هلعاً! ترميم القلعة ليس (معجزة) والوصول إليها ليس مستحيلاً كما تؤكد الدكتورة حنا في كتابها المذكور، بل إن بعض حجرات القلعة من الداخل ما زالت تحافظ على كيانها (وقد دخلت أربع حجرات شبه جاهزة حتى الآن) وأكثر ما تضرر في هذه القلعة سورها الخارجي بسبب عبث الأهالي والطبيعة، كما أن أبراج القلعة تحافظ على هيكليتها (هناك برجان لم يتأذيا كثيراً). قلعة العريمة ليست في كوكب آخر يصعب الوصول إليها، إنها على بعد رمية حجر من مدينة طرطوس وعلى كتف بلدة الصفصافة وبإمكان أي وسيلة نقل أن تصل إلى قمتها بسهولة وكل ما تحتاجه هو (التفاتة مسؤولة) لتعيد الحياة لهذه القلعة والتي يتوقع أنها غنية جداً بما تخفيه تحت حطامها الحالي غنى الحكايات التي تتحدث عنها. قلعة العريمة بموقعها المتميز على مشارف سهل عكار وعلى مرأى البحر والجبل واللابسة في ساقيها خضرة السنديان والزيتون تستحق زيارة مسؤولة ومتابعة رسمية لبثّ الروح في حكاياها وفي بقايا حجارتها. |
|