|
فضائيات ومنها البرامج الوثائقية التي انفردت ببثها فضائيات محددة، وشكّلت عند فضائيات أخرى نسبة لا بأس بها من وقت البث اليومي . والواقع أن المادة الوثائقية شكّلت –ومازالت- منهَلاً غزيراً للعاملين في المجال الدرامي، فمنهم من استفاد منها كخلفية غير مباشرة للعمل الدرامي التاريخي، محاكياً إياها ومطلقاً العنان للمخيّلة أن تفعل فعلها بهذه المادة فتوجهها أنّى شاءت وبالاتجاه الذي تريد، ومنهم من استخدمها كما هي دون رتوشات إيماناً منهم بأن الوثيقة الحقيقية تبقى هي الأصدق والأكثر تعبيراً عن الحالة المرصودة، وهذا الاستخدام غالباً ما يكون محدوداً ومؤطَّراً ضمن مساحات معيّنة لا يمكن لها أن تزيد أو تطغى على الحدث الدرامي . ونتيجة لهذه الثنائية في استخدام المادة الوثائقية درامياً قام صراع حاد بين من يؤيّد استخدام هذه المادة كما هي صوناً لها من التحوير والتزييف والأخذ باتجاهات مختلفة، ومَن يؤكد أن الاستفادة من الوثيقة التاريخية في المادة الدرامية ليس من الضروري أن يكون استخداماً حرْفياً، وحسبُ المادة الوثائقية أن تكون هادياً ومُرشِداً بشكل مطواع وسلس خدمةً للحالة الدرامية لا أن تكون الحالة الدرامية في خدمة المادة الوثائقية، باعتبار أن الهدف الأعلى ينبغي أن يصبّ في مصلحة العمل الدرامي . لكن المشكلة تتفاقم عندما يعمد بعض كتّاب الدراما إلى تجاهل المادة الوثائقية التاريخية وصنْع مادة درامية مخالفة للواقع وللوثيقة اعتقاداً منهم أن من حقهم خدمة المادة الدرامية مهما كانت الوسيلة حتى لو أدى ذلك إلى تشويه التاريخ وقلب حقائقه، وهذا الأسلوب مرفوض رفضاً باتاً، خاصة أن الجمهور في معظمه يتعامل مع المادة الدرامية ذات الطابع التاريخي وكأنها التاريخ عينه لا نسخة درامية محوَّرة وغير دقيقة عنه، وهذا قد يؤدي إلى اتخاذ مواقف محددة تجاه بعض الشخصيات والأحداث، مواقف مبنيّة على معلومات مغلوطة، وهنا يأتي دور الإعلام في تصحيح ما يعمد بعض العاملين في مجال الدراما إلى تكريسه من أخطاء مقصودة أو غير مقصودة ليس بحق المادة الوثائقية والتاريخية فقط بل بحق الإنسان المعاصر الذي من حقه أن يعرف تاريخه القريب والبعيد بسلبياته قبل إيجابياته . |
|