|
دراسات يستطيع حتى اللحظة أن يرسم صورة كاملة لهذه الجريمة, ولا أن يحدد بشكل قاطع من يقف وراء العقليات الشيطانية التي دبرتها أو أن يجزم في الرد على الأسئلة المتعلقة بالهوية الحقيقية للمخطط والمدبر والمنفذ والعارف والساكت والمتآمر والمتواطئ, والمسهّل? وما الأهداف الحقيقية الكامنة وراء هذه العملية المدمرة التي لم تحمل سوى الخراب والدمار للعرب والمسلمين والإساءة لصورتهم في العالم. فالشكوى ما زالت كثيرة والتساؤلات كبيرة والألغاز تبحث عمن يفك أسرارها ويكشف خباياها وخصوصاً أن المعلومات المتزايدة في الولايات المتحدة تنثر الكثير من الغبار وتثير الشبهات حول المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة من وراء هذا العمل الأهوج على رغم كلفتها الغالية والثمن الباهظ الذي تدفعه من ميزانيتها وسمتعها وأمنها واقتصادها, كما نشرت آلاف التعلقيات والتحليلات التي تتحدث عن النظام العالمي الجديدوالفعلي الذي ظهرت معالمه بعد التفجيرات وتكريس الهيمنة الكاملة للولايات المتحدة على العالم في إطار ما يسمى حربها ضد الإرهاب ووفق مصطلح جديد في قاموس العلاقات الدولية وهو: إما معنا أو ضدنا, فليس هناك من مجال للحياد أو الرأي الآخر أو الرفض والتردد في منح واشنطن (شيكا على بياض) في كل خطوة من خطواتها وفي كل قرار تتخذه والموافقة على كل عمل تتخذه أو تنوي اتخاذه مهما كان خطيرا وأخاطئاً أم مهدداً لمصالح الدول الأخرى.. فالنظام الجديد مسح كل القيم السابقة واستغنى عن الأمم المتحدة والوفاق الدولي و المنظمات والتحالفات وأسس لوضع جديد متسلط يقوم على سيادة كلمة الولايات المتحدة في العالم.. وما على باقي الدول إلا الرضوخ والسمع والطاعة. وفي كل الأحوال كل النتائج تصب في خانة واحدة وهي شكل النظام العالمي الجديد والدولة المهيمنة عليه, وفي مصب واحد وهو مصالح الولايات المتحدة ففي حالة حرب أفغانستان الأولى التي استخدم فيها المسلمون كأداة ووقود لتفكيك الاتحاد السوفييتي , وفي حالة غزو الكويت تحقق للولايات المتحدة ما لم تكن تحلم به أو تحقق جزءاً يسيراً منه في الظروف العادية من سيطرة على منابع النفط وتأمين المصالح وإقامة قواعد ونقاط ارتكاز وانطلاق, وفي حالة تفجيرات نيويورك وواشنطن امتدت هذه المكاسب إلى آسيا الوسطى ودولها الإسلامية وإلى منابع النفط والغاز وخطوطه المحددة وتم تأمين قواعد جديدة ومواقع استراتيجية مهمة لتثبيت الهيمنة الكاملة ومحاصرة دول رئيسية لقلب موازين القوى في أي صراع مستقبلي. وسبق أن شبهت التفجيرات بالزلزال الخطير نظراً لما تسببت به من متغيرات وآثار ومفاعيل وانعكاسات وأضرار وما لتردداتها من مخاطر على العالم وعلى الدول العربية والإسلامية وبوجه خاص على قضاياها الرئيسية وفي مقدمتها قضية فلسطين التي خسرت الكثير من أوراقها في الحالات الثلاث التي أشرنا إليها: انتهاء الحرب الباردة وإسقاط ورقة التوازنات الدولية والدعم المزعوم للفلسطينيين وغزو الكويت والأضرار التي لحقت بالشعب الفلسطيني المهاجر والمقيم والتي كان من مسبباتها الدخول في دوامة أوسلو, وما تبعها من انتكاسات وأخيراً تفجيرات نيويورك وواشنطن التي شكلت الضربة القاضية التي شلت قدرات الشعب الفلسطيني وعرضته مع غيره من الشعوب للذل والهوان والسكوت على الضيم خوفاً من أن يتهم بالإرهاب طالما أن العاصفة هوجاء وتحصد رؤوس من يتعرض لها. أما الهدف الآخر الذي ظهر من وراء الحرب العالمية المعلنة ضد الإرهاب فقد اتخذ شكل عسكرة جديدة للعالم في محاولة لإلغاء الأجندات السابقة التي واجهت الإدارة الأميركية وجعلتها تتخبط عشواء إزاءها قبل الحادي عشر من أيلول, وفرضت عليها الانسحاب من أربعة عشر اتفاقاً فليس من الصعب على المرء أن يلاحظ كيف أحلت الحرب ضد الإرهاب مكان الحرب ضد الفقر والمرض والجريمة المنظمة , ومكان ما تواجهه إفريقيا من إبادة زاحفة بسبب الديون والفقر والإيدز والأمراض الأخرى, وكيف اسكتت الآن الأصوات التي وضعت على رأس الأجندة العالمية مشكلات البيئة خصوصاً الاحتباس الحراري والجرح الأميركي معروف ومشهود. وباختصار, فإن أميركا راحت تفرض أجندتها على العالم ولكي يتحقق ذلك أصبحت دول العالم ترزح تحت الابتزاز وعاد التهديد بالتدخل العسكري مسلطاً على رؤوس الكثيرين, أي ثمة مسعى أميركيً لفرض حال الطوارئ عالمياً تحت حكم البنتاغون وهو ما يترجم قول بوش )من ليس مع أميركا فهو مع الإرهاب). ولم يقتصر الانقلاب الذي أحدثته عمليات خرجت عن كل سياق على اغتنام الفرصة من قبل أميركا لفرض حكم عسكري على العالم, وإنما امتد إلى الداخل الأميركي والداخل الأوروبي من جهة التوسع في التشريعات التي تحد من الحريات المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان مثل قوانين المراقبة و التوقيف إلى أجل غير مسمى والتنصت والتفتيش واستباحة الانترنت ومراقبة الحسابات الشخصية, الأمر الذي يعطي للأجهزة الأمنية صلاحيات تفوق ما أعطي للجنة مكارثي في أوائل الخمسينيات, فما شهده الغرب نكسة مست ما كان يفاخر به من جهة الحريات وحقوق الإنسان ولا أحد يعرف مداها أيضاً من زاوية تأثيرها في الأوضاع الداخلية في دول العالم الثالث, فقد سقطت ورقة التوت عن تصدير أميركا لشعار الديمقراطية وحقوق الإنسان للعالم كله ليعود الوجه الحقيقي لأميركا, أميركا الخمسينيات والستينيات والسبعينيات, ولكن هل يمكن أن يعزي كل هذا لما حدث في ذلك اليوم? أم كان هذا هو المخبوء الذي وجد ذريعته ليخرج إلى السطح?. |
|