|
دراما سماعات وعدسات مكبّرة .. لن تلحظها أيها المتلقي لأنها عُدّة غير مرئية .. تُصقل ( بمَلَكة ) إمعان النظر .. وإرهاف السمع .. اقتفاءً لمعالم جزئيات عيش متناهية في الصغر .
يخب قلم كاتبة تخت شرقي) على أوراقها حاملاً حرارة اليومي العادي و طزاجة اللحظة المعاشة .. يتعشّق رائحة بشر عاديين .. ينحاز إلى سيرهم البسيطة، فنهوى مشاهدتهم بدافع تهمة ( لشبه ) بيننا وبينهم .. وليس إشباعاً لوهم رؤية أبطال ( وإن كانوا دراميين ) . شخصيات تنتشلها مشهدي من واقع الحياة السورية .. تبنيها بخليط رغبات آدمية غير منمّقة ولا هي مبهرجة .. ببساطة هي شخصيات فيها كل التناقضات البشرية .. تتحرّك في منطقة تتلوّن بتدرّجات رمادية مابيــن السلبي والإيجابي .. مابين المثالي والواقعي .. ولهذا كانت تركيبة شخصياتها هي نقطة الثقل الأولى في عملها ( تخت شرقي ) ، بما تشتمل عليها خلطة تلك التركيبة من عنصر الحوار .. الأحاديث .. والنقاشات بين شباب وصبايا العمل . لدراما التلفزيون يذهب إلى أقصى نقطة واقعية ، بدأت بذوره في مسلسلها الأول ( وشاء الهوى ) مروراً بالثاني ( يوم ممطر آخر ) ، وليبدو بأنضج حالاته كما في ( تخت شرقي ) حيث السعي الدائم لمحاولات الغوص في لبّ تفاصيل اليومي الحياتي . تُدرك سلفاً .. وأنت تتابع العمل أن ما يشدّك ليس حبكة صاعدة وصولاً لذروة الأحداث ثم حلحلتها ، كما جرت العادة في عموم الدراما . ما يشدّك استماعاً ، لأحاديث الشخصيات ما فيها من تصريح وتلميح .. وغالباً تلعب هنا وفق منطق المجاهرة دون تورية ولا مجاملة أو أدنى تعمية .. تمسّ عوالم الشخصيات الداخلية وأفكارها .. تساؤلاتها الوجودية .. حالات البوح ، بكل ذلك هي تقترب أكثر وأكثر من الحياة الواقعية لأنها حياة – وفق مشهدي –تأتي معبّأة بالدراما . عدسات التقصّي توظّفها الكاتبة جرياً وراء أدق تفاصيل الواقع .. تُعينها لإجراء ( فوكس ) بصري مرئي ( متخيّل ) حيث الاقتناص الذكي لحالات الفوضى الحاصلة في يومياتنــا .. بما فيها من عبثية تقود جريان تلك اليوميات . ما تمارسه من انحياز وانزياح إلى نص مشبع بملامح الآن وهنا .. لا يعني الاطمئنان فقط إلى ذلك السير والاندفاع صوب العادي الحياتي غير المشاكس ولا المشاغب . خليط العادي الواقعي اليومي ، يكون بنكهة تقتنص جوهر الخروج عن المألوف .. بملاحقة كل مألوف لكن غير مسموع وغير مشاهد بمنطق المشاهدة والكتابة الدرامية التي اعتدنا. ولذلك لغة الحوار لدى شخصياتها هي لغة مسموعة في الشارع السوري بما تختزنه من نبض تلقائي وعفوي .. دون تكلّف أو تصنّع . جرأة اللامألوف عندها تأتي بالانغراس أكثر صوب كل مألوف .. صوب كل مهمل .. ملقىً جانباً في حيواتنا .. مهمة الكاتبة التي تفاجئ بها تقترب من احتراف فن التلصص على المخبوء لكن المدرك في الآن ذاته من قبلنا كممارسين له ومشاهدين أيضاً . تسترق السمع .. تنصت إلى أصوات شخصياتها ، وبدورنا نسترق السمع .. نهوى اختلاس لحظات ومواقف تخصّهم .. لكن تُحيلنا بالوقت نفسه إلى ذواتنا .. تماماً هو مجال لعب قلم مشهدي في القدرة على إتمام خريطة تُشــابك بين ما تـــرى وما تحيا .. بين الخاص والعام . على هذا المنوال يجري بالضبط ( تخت شرقي ) .. ما عدا خاتمته التي أُشبعت انحيازاً ( للحدث ) .. على عادة (قفلات المسلسلات ) . مجمل همّ الحلقة الأخيرة كان قطع أو وصل (علاقات) .. أي اُتخمت بالشأن العاطفي الغرامي .. وكأنما غالبية الشخصيات بدت هائمة في دنيا من فوضى المشاعر .. ووُضع الحد لها فقط عند النهاية .. الخلاصة تنتصر لسدّ الفراغ العاطفي حتى لو جاء (كيفما اتفق ) والسلام . |
|