|
شؤون سياسية من أولوية المصالح الإسرائيلية ولو كان ذلك على حساب المصالح الأميركية نفسها، فالأمن الإسرائيلي يتقدم إلى المرتبة الأولى على سلم الأولويات الأميركية. وهذا بالضبط ما يفسر اندفاع واشنطن لمساعدة مصر عسكريا وأمنيا للقضاء على الإسلاميين المتشددين الذين هاجموا عناصر الشرطة المصرية في شبه جزيرة سيناء، ويفسر في الوقت نفسه تعاميها عن الإرهاب الذي يستهدف سورية ورعايتها ودعمها للإرهابيين الذين ينتهكون سيادتها وأمنها واستقرارها، ففي كلتا الحالتين تكمن المصلحة الإسرائيلية، فانشغال مصر في حرب مع إرهاب إسرائيل أول المتهمين برعايته وتصديره وتوظيفه لأغراض خاصة بها، أفضل بمائة مرة من انشغال مصر بإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني وفك الحصار الهمجي المفروض على قطاع غزة، في حين أن انشغال سورية بحرب أهلية أو داخلية مع الإرهاب المصدر إليها يضعف قدرتها على دعم المقاومة الفلسطينية ويلهيها عن متطلبات الصراع العربي الإسرائيلي وهذا يساهم مباشرة في تضييع حقوق الشعب الفلسطيني، وهنا نجد أن الإرهاب الذي هو صناعة أميركية - إسرائيلية يوظف لخدمة هذين الشريكين الاستراتيجيين. فالأمن الإسرائيلي هو من يدفع بواشنطن لمعاداة إيران وفرض العقوبات عليها ومحاصرتها وتحويل برنامجها النووي السلمي إلى برنامج عسكري من أجل وقفه وإجهاضه ولو استدعى ذلك التورط بعمل عسكري غير محسوب العواقب، والأمن الإسرائيلي هو من يدفع بواشنطن أيضا لدعم أحزاب وقوى سياسية في لبنان لمجرد كونها معادية لسورية ولحزب الله اللذين يشكلان رأس حربة المشروع المقاوم للطموحات والأطماع الإسرائيلية التوسعية. وبناء على هذه المعطيات وسواها يمكن الحكم على السياسة الأميركية في المنطقة والتعاطي معها، فحين ينطق المسؤولون الأميركيون أو يصرحون فكأنهم ينطقون ويصرحون بلسان حال المسؤولين الصهاينة، وإلا كيف لنا أن نستوعب الاستماتة في محاولة كسب ود الصهاينة واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة من قبل المرشحين للرئاسة أو الكونغرس ما لم نأخذ بالاعتبار العلاقة القائمة بين واشنطن وتل أبيب. وهذا يعني أيضا أن السياسة الأميركية ترتدي أقنعة متعددة لوجه واحد أو تتخفى خلف أشكال متعددة لتخفي جوهراً واحداً سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، فعندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل ومصالحها، فإنه لا قيمة ولا أهمية للجهة الحزبية التي ينتمي إليها الرئيس الأميركي أو عضو الكونغرس فأوباما قد يكون أكثر تطرفا من بوش حين يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، ورومني «المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية» قد يصبح أكثر تطرفا من أوباما بوش إذا اقتضى الأمر، وهذا الأخير بلغ به التزلف حد التعهد لإسرائيل بالتدخل العسكري في سورية ومهاجمة إيران لضرب برنامجها النووي، وقد تبلغ به الحماقة حد التعهد بشرب مياه الأطلسي إذا كان ذلك سيضمن له دعم ورضا اللوبي الصهيوني للعبور إلى البيت الأبيض. فمنذ أن بدأت الأزمة في سورية والمواقف الأميركية تزداد حدة وغطرسة لتواكب الهواجس والطموحات الإسرائيلية الساعية لإضعاف سورية وكسر شوكتها، وأغلب هذه المواقف يعبر عنها المسؤولون الأميركيون من على المنابر الإسرائيلية، فالحديث الأميركي مثلا عن ضرورة تأمين ما يسمى «الأسلحة الكيماوية» في سورية يتم ربطه دائما بضرورات الأمن الإسرائيلي مباشرة، وأميركا غير معنية على الإطلاق بمن يسقط من السوريين برصاص المجموعات الإرهابية التي تسلحها وتدعمها بالتكافل والتضامن مع أدواتها في المنطقة السلطنة العثمانية الجديدة «تركيا» والمملكة التكفيرية الوهابية «السعودية» ودويلة التآمر والخذلان العربي «قطر». وللعلم فقط الولايات المتحدة هي من تقوم بتعطيل إمكانيات الحل السلمي للازمة السورية وهي من تنفخ في بالون «المعارضة السورية» وتحقنها بالتطرف لكي تبتعد عن الحوار وتلجأ إلى القتل والخطف والتخريب، وهي التي دفعت أدواتها في الجامعة العربية لتعليق عضوية سورية، وهي التي أصدرت أوامرها لنفس الأدوات في منظمة المؤتمر الإسلامي لكي يرتكبوا نفس الحماقة، وهي من تعطل مع حلفائها في مجلس الأمن الدولي أي مبادرة صينية أو روسية لاجتراح حل سياسي يوقف نزيف الدم في سورية، فشحن السلاح والمرتزقة والأموال وأجهزة الاتصالات والتجسس والمعلومات الاستخباراتية إلى سورية كلها من اختصاص الأميركيين وكذلك إفشال مهمات المبعوثين الأمميين والتدخل في الشؤون السورية وتحريض الآخرين على التدخل. الولايات المتحدة تبدو وكأنها تبحث عن تعويض لخسارتها وانسحابها المذل في العراق، وتقديم جائزة ترضية لإسرائيل القلقة على مستقبلها من تطورات المنطقة، ولكن الفاتورة الكبيرة التي دفعتها واشنطن في العراق وأفغانستان تجعلها تعيد حساباتها جيدا، فسورية ليست كغيرها، هي ليست تونس أو مصر أو اليمن وبالتأكيد هي ليست ليبيا، بإمكان سورية أن تكون عراقا آخر إذا تورط الأميركيون أكثر مما ينبغي في التدخل بشؤونها، والأرض التي قهرت الغزاة ودحرت الطامعين على مر العصور بإمكانها أن تقهر الإرهاب ومن يدعمه بفضل وعي وصلابة شعبها وبسالة وشجاعة جيشها وقوة الحق الذي تمثله وتدافع عنه، فلا يراهنن أحد على إسقاط سورية لأن مثل هذا الرهان أثبت فشله علىالدوام. |
|