تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رأي:مصائبنا.. لأن الجيل القديم ابتُلِى بالتحجُّر..والجديــــــــــــــد بالعبـــــــــــــث والخـــــــواء..

ثقافة
الأثنين 1-7-2019
هفاف ميهوب

من يقرأ لـ المفكر والسياسي «علي شريعتي» يشعر وكأنه يقرأ حاضره، وبكلِّ ما في هذا الحاضر من مصائبٍ سببها، الجهل المستشري في العقلِ الإنساني الذي ماأكثر ما طالبهُ هذا المفكّر بـ «العودة إلى الذات»، وهو الكتاب الذي كان فيه قد خاطبه:

‏‏

«كلُّ مصائبنا حدثت لأن جيلنا القديم ابتلى بالتحجُّر، والجيل الجديد بالعبث والخواء، فهو جيلٌ دون اتِّجاه أو أيديولوجية، ودون مبدأ عقائدي، مثلما دون هدف أو شخصية، وهذا دليل على التوفيق العظيم الذي بلغهُ «هؤلاء» في برنامج، جعلنا خالين من أي شيء...!».‏‏

ألا يشعرُ قارئ هذا الكلام، بأن من خاطبهم هذا العَالِم منذ أكثر من عقدٍ من الزمان، هم ذاتهم أبناء زماننا ؟!!. ألا يشعر بأننا نعيش ذات التحجر والعبث والخواء والظلام وغير ذلك مما انهارت بسببه حياتنا؟!!‏‏

بالتأكيد يشعر بذلك، مثلما يشعر بالصدمةِ التي سببها مايراهُ يستشري حوله من «استعمار» و«استحمار» قضى هذا المُصلحُ عمره وهو يطالب الأمة بالتخلُّص منهما، ودون أن يلاقي مستجيباً لطالما لازال عالمُنا غارقاً في الجهل وأبعد مايكون عن وعيه بأهمية تنويرنا ووعينا..‏‏

نعم، هذا ما سيشعر به القارئ الذي يرى «الاستحمار» و»الاستعمار» لازالا يسيطرا على وجود هذه الأمة وثقافتها.. أيضاً، وهو يرى الاستلاب يفرِّغها من كلِّ مادعا هذا المُصلح الإنسان للتمسك به، وبعد معرفة ذاته واستخراج ما فيها من كنوزٍ معرفية كامنة وكافية لارتقائها..‏‏

إنه ماآمن بأنه رسالته الإصلاحية،الرسالة التي شعر بأن ضميره يحتِّم عليه إيصالها، وكمفكِّرٍ عليه «إيقاظ ضمير المجتمع، والارتقاء بأفراده، وتقديم تفسير وتحليل إيديولوجيين للظروف الاجتماعية الموجودة، ونقل الواقعيات المتناسقة والمتناقضة في الحياة الأخلاقية والثقافية والاجتماعية، إلى إحساس الناس ووعيهم، واستخراج ما في تاريخهم وثقافتهم، من طاقات معنوية وفكرية».‏‏

آمن بذلك، فأصرَّ على أن تكون هذه الرسالة، هي رسالة المعرفة والفكر التنويري، ولكلِّ أبناء الحياة ممن عليهم وبعد معرفة ذاتهم، معرفة الآخر الذي يتشاركون معه هذه الحياة بشكلٍ يومي أيضاً، بناء ذواتهم وتربيتها على الأصالة، ومنحها التكامل لجوهر الوجود، إضافة إلى تقويمها وإدراكها بأن ملاذها الآمن، ليس بالتعصّب والنعرات القومية أو الطائفية والمذهبية، وإنما «بالحفاظ على الهوية الثقافية» و«التنمية الثقافية المحلية».. بـ «غربلة المصادر الثقافية» واحترام الأوطان، و«التمسك بالجنسية الوطنية» التي تمكّن الإنسان:‏‏

«الجنسية الوطنية تمكّن الإنسان من أن يكون من صنع نفسه، وشريكاً في بنائها، وبالتالي متحرراً من قيودها المادية وصراعاتها».‏‏

هكذا تتجاوز الأمة صراعاتها الاقتصادية، وبالإنتاج الفكري والثقافي ويقظة الذات والوعي.. الذات القائمة على إحساسها العميق بالقيم الإنسانية والروحية والإنسانية، وعلى عقلانيَّتها ومعرفتها بأن: «الحضارة الاستهلاكية هي أسوأ وأقبح من الوحشية والهمجية..».‏‏

حتماً، هي الفلسفة التي نحتاج أن توقظ وعينا الفردي-الذاتي، ومن ثمّ الخارجي-الجماعي.. أن تردنا إلى حقيقتنا، وأن تمنحنا هويتنا.. الحقيقة والهوية اللتين لا زلنا لا نملكهما..‏‏

ببساطة، هو دور المثقف والمفكر والمصلح والعالِم.. لكن، أينه؟!! أينه، وكلّ فردٍ في مجتمعاتنا يحتاج نضجه الفكري، ودوره التنويري، وخطابه الديني:‏‏

«اننا محتاجون اليوم الى المعرفة، لا الى الاعتقاد وعدم الاعتقاد.. محتاجون إلى معرفة الدين والعلم والمجتمع والتاريخ وشخصياتنا، لا إلى التظاهر بالعقيدة،كل العقائد عندما لا تكون مقترنة بالوعي، ليس فقط لا فائدة فيها، بل إنها مضرّة لأنها تأخذ جميع الطاقات الإنسانية..‏‏

إن أي قضية فردية أو اجتماعية، أدبية كانت أم أخلاقية أم فلسفية، دينية أو غير دينية، تعرض علينا وهي بعيدة عن «النباهة الإنسانية» و «النباهة الاجتماعية» ومنحرفة عنهما، هي «استحمار» قديم أو جديد.. لا شيء ينجِّي الإنسان والأمة من هكذا قضايا، ومن شؤم الاستنزاف الفكري، في طريقته القديمة والحديثة، إلا النباهة الإنسانية التي يتحدث عنها الدين الراقي الذي تجاوز العلم».‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية