|
شؤون سياسية وذلك من أجل العودة بسورية التي كانت واحة الأمن والأمان في منطقتها إلى سابق عهدها من الاستقرار الذي افتقدناه في زحمة الأحداث الدامية التي لم نشهد لها مثيلا من قبل، ويمكن الجزم بأنه لو استجابت المعارضة منذ البداية لدعوات الحوار التي أطلقتها الحكومة وتخلت عن ممارسة العنف سبيلا لتحقيق أغراضها لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم ولما امتدت الأزمة كل هذه الأشهر الصعبة. ورغم كل ما جرى من أحداث فإن الإرادة الطيبة والرغبة الصادقة التي تتحلى بهما الحكومة السورية ومعظم أبناء شعبنا في استعادة الأمن والسلام ووقف شلال الدم النازف، وتحلي شعبنا بالصبر والحكمة وتمسكه بوحدته الوطنية وسلمه الاجتماعي كفيل ـ رغم كل عمليات التشويش الممنهجة ـ بإعادة الأمل إلى النفوس، وهذا بالضبط من سيعطي لمهمة المبعوث الأممي كوفي أنان وخطته الدفع القوي لكي تتلمس طريقها نحو التطبيق والنجاح، وخاصة إذا ما أضفنا إلى ذلك وجود إرادة شبه عالمية بحل الأزمة في سورية، ولكن نجاح خطة أنان يتطلب موافقة ثلاثة أطراف معنية بالأزمة وتوافقاً دولياً وهذا ما لم يتوافر حتى الآن. فلكي تنجح خطة أنان يجب أن توافق عليها الحكومة السورية وقد وافقت وبدأت بتنفيذ بعض بنودها تأكيدا لمصداقيتها وسعيها للحل، وكذلك المعارضة التي تحمل السلاح ومن يقف خلفها ويدعمها ويحتضنها ويسلحها وهذا الأمر لم يحدث حتى تاريخه، بالإضافة إلى توافق المجتمع الدولي وهذا الأمر لا يزال موضع جدل ونقاش لأن بعض الدول المؤثرة لا تزال تعلن شيئاً وتضمر شيئاً آخر. فالحكومة السورية التي تعبر عن إرادة جمهورها والحريصة على وحدة شعبها واستقراره وتطوره سارعت منذ البداية للتعاطي بإيجابية مع خطة المبعوث الدولي كما تعاطت مع الخطة العربية ومع بعثة المراقبين المكلفين من الجامعة العربية، لأنها كانت تبحث طيلة الوقت عن حل سياسي للأزمة، وهو ما صرح به أنان نفسه، حيث جاء هذا المضمون واضحا في التقرير الذي تلاه على مسمع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس الماضي، وما هي سوى أيام قليلة ويتأكد العالم مرة جديدة من مصداقية الحكومة السورية ورغبتها بالحل. في المقابل بدت المعارضة مأزومة وكأنها في ورطة حقيقية ولاسيما بعد أن خابت آمالها من النتائج التي تمخض إليها مؤتمر «أعداء سورية» الذي استضافته مدينة اسطنبول في عيد الكذب، فبدأت بالهجوم على خطة أنان ومن ثم التشكيك بموقف واستجابة الحكومة السورية، وبدا الارتباك واضحا على خطاب أعضائها المختلفين فيما بينهم كل حسب العاصمة التي يدين لها بالولاء والطاعة، وذهب بعضهم الآخر للتهديد بإفشال الخطة من خلال القيام بالمزيد من أعمال العنف والإرهاب ضد شعبنا في تحد سافر للخطة الدولية التي تبناها مجلس الأمن الدولي، في حين ظل مثلث التآمر على سورية «قطر والسعودية وتركيا» الذي يقف خلف معارضة اسطنبول وشراذمها على مواقفه المعادية لسورية وللحل السياسي فيها، حيث سمعنا المزيد من الدعوات والمطالبات بتمويل وتسليح عصابات ما يسمى «الجيش الحر»، والدعوة لشن هجمات إرهابية في المدن السورية، في حين واظب إعلام هذه الدول على حملاته التحريضية ضد الشعب السوري ملفقا الكثير من الأخبار والتقارير الكاذبة بهدف التشويش على المناخ الدولي الراعي لخطة الحل. بموازاة ذلك حافظت بعض الدول الغربية على حالة من الضبابية والغموض في مواقفها الرسمية، فتارة تطلق تصريحات إيجابية مطمئنة وتارة تطلق تصريحات استفزازية منفرة، وكأن المطلوب هو استمرار الأزمة دون أفق، مع أن خطة أنان تحتاج التزاما دوليا بإنجاحها مع ما يفرضه ذلك من ضغوط على المعارضة المسلحة وعلى الدول التي تحتضنها المعارضة وتمولها، بدل الاستمرار في سياسة العقوبات التي تضر بمصالح الشعب السوري وتؤثر سلبا على أوضاعه المعيشية. غير أن ثبات الموقفين الروسي والصيني تجاه الأزمة في سورية ورفضهما التدخل بشؤونها الداخلية، إضافة لما صدر من مواقف إيجابية عن قمة بريكس وبعض الدول الشقيقة والصديقة أعاد للمشهد الدولي بعض توازنه، وحال دون تفرد دول عظمى كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا برسم مصير ومستقبل العالم، وكبح جماح بعض الأنظمة العربية المتخلفة الراغبة في لعب دور تفجيري في الأزمة، ولا شك بأن تلاحم الشعب السوري ورفضه الانجرار لما يخطط له الأعداء قد أفشل المؤامرة على سورية، وهو من سيكتب النجاح لخطة أنان في حال صدقت النيات. |
|