|
شؤون ثقافية ومعرض الخريف السنوي الذي افتتح في صالة المركز التربوي للفنون التشكيلية ( تقع مقابل حديقة التجارة ويستمر لغاية 10- 12) يشكل خطوة جديدة متواصلة مع خطوات المعارض السنوية السابقة، الهادفة الى اعطاء المشاهد صورة عن آخر ماتوصلت إليها حركتنا الفنية التشكيلية السورية المعاصرة ،
من خلال التنويع الأسلوبي والتقني والموضوعي المقروء في أعمال المعرض، بحيث تظهر مختلف التأثيرات الفنية المتبادلة بين الماضي والحاضر، وبين الشرق والغرب، وبين العاطفة والانفعال، وبين السكون والحركة . وتظهر في أكثرية اللوحات المعروضة الصياغات العفوية القادرة على تجسيد الأحاسيس الداخلية بالتعبير الخطي، الذي يقطف حركة الشكل أو على الأقل مظهره الخارجي، ويضفي المسحة الفنية والتشكيلية والحديثة عليه. هكذا تظهر تنويعات التجارب المعروضة ،في احتمالاتها الواقعية والتعبيرية والتجريدية، كحلقات متتالية ومتتابعة في خطوات البحث عن جماليات عصرية ،تلغي الرتابة التصويرية التقليدية، وتحقق في بعض أوجهها رغبات التواصل والتجانس، مع بعض الاشارات البيئوية العربية، وصولاً إلى بعض حالات التفاعل مع أزمنة الضياع والترقب والتشنج والقلق اليومي، المقروء في الواقع بصوره المضطربة والمتوترة والمفجعة. الدور الصعب في المرحلة المتوترة واذا تجاوزنا الصعوبات الكبيرة الكامنة وراء جمع شمل الفنانين وأعمالهم، في هذه المرحلة بالذات، نجد ان غياب بعض الاسماء المعروفة عن المعرض، تعود اسبابه للتهجيرالقسري ولتردي الاوضاع ، وهذا يعني ان مديرية الفنون الجميلة متمثلة بمديرها الفنان أكثم عبد الحميد ،تقوم بالدورالصعب في المرحلة المتوترة والمضطربة ، لأن المؤشرات الإبداعية المختارة للمعرض، تسهم بدور فعال في المجال الثقافي، للإبقاء على مظاهر وحيوية وإشراقة الفنون التشكيلية السورية، التي رفعت منذ البداية، مسائل جوهرية ،تركزت حول علاقة فنوننا بالتراث والحداثة وبتطلعات البحث عن خصوصيات فنية محلية. وبعض التجارب المشاركة تؤكد انفتاحها على التيارات التشكيلية الأكثر حداثة، في مجالات البحث عن جماليات عصرية، تتعدى إطار اللوحة الزيتية، لتشمل معظم التقنيات التصويرية والنحتية والحفرية – الطباعية . وتمثلت في معرض الخريف خطوة انتقاله ولأول مرة الى هذه الصالة ، بعد ان استضافت في خطوتها الأولى ، معرض الربيع في دورته الماضية ،فصالة المركز التربوي للفنون التشكيلية ، صممت على طريقة صالات العرض الحديثة الفسيحة،لتكون النافذة الفنية القادرة ،بمخططاتها الثقافية المستقبلية، على تحريك الأجواء الفنية الحاملة تطلعات مستقبلية ، ويمكن للزائر التماس طواعية الفراغ الرحب في الصالة،وقدرتها على استقطاب المعارض الفنية الكبرى ( مساحة الصالة حوالي 800 متر مربع، ويمكن اعتبارها من أكبر الصالات في سورية - على حد قول الفنان التشكيلي موفق مخول ) مع التنويه الى أن المعرض السنوي، كان يشهد في مراحل سابقة نوعا من الشتات ،حين كان يقام في أربع صالات أحيانا ، كل صالة في منطقة، الشيء الذي كان يحمل المتابع مشقة كبيرة في التنقل من صالة الى اخرى. توثيق الأعمال المعروضة صدر لمناسبة المعرض دليل فني ملون من القطع الكبير، وحمل غلافه تحية حب وتقديرللفنان الكبير «نذير نبعة» ، وقدمت له الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة بكلمة جاء فيها : إن تنظيم وزارة للمعارض التشكيلية ورعايتها لها ، إنما ينبع من قناعتها بأهمية التواصل الإبداعي ودور المبدعين في إعادة صياغة الواقع والإرتقاء به ، وضرورة التقاء الفنانين التشكيليين على اختلاف رؤاهم وتنوع اساليبهم ومشاربهم ، تطويرا للأدوات التعبيرية وإثراء للحركة التشكيلية . كما يندرج ضمن سعيها الدائم للارتقاء بالذائقة البصرية، ونشر ثقافة الجمال والتناغم والإنسجام الذي به تهدأ النفوس وتبنى الأوطان ... وكتب الفنان أكثم عبد الحميد مديرالفنون الجميلة في وزارة الثقافة كلمة نقتطف منها: فنانون سوريون رسموا لوحاتهم ، ونحتوا منحوتاتهم بأصابع الروح وصدق الأحاسيس، وأثبتوا للعالم بأن الفن التشكيلي السوري، مازال متألقا في السلم والحرب ، ففي سورية من رحم الموت يولد الإبداع كطائر الفينيق ... وما شاهدناه في المعرض من أعمال متنوعة الأحجام والقياسات، يظهر حالات الاختصار والاختزال ، حيث تغيب في اكثرالأحيان ،الصياغة الواقعية التسجيلية، لصالح إبراز التشكيلات الإنطباعية والوحشية والتعبيرية والرمزية والسوريالية والتجريدية وغيرها، ولقد وجدنا في بعض الأعمال خروجا عن إطار اللوحة المستوية ( كعمل جومانة جبر التي تقدم الكرسي في الأبعاد الثلاثة كرمز ومدلول تعبيري ، وعمل ناصر نبعة الذي استخدم في مساحته التشكيلية، المجسمات الهندسية على طريقة الرولييف الجداري ) . وهذه الأسماء التي اختصرت رؤيتنا لهذه التظاهرة، لا تعني أن الأسماء الأخرى التي غابت عن مقالتنا، لاتستحق الذكر بل على العكس قد تكون هناك اسماء هامة إلا انها لاتزال بحاجة الى مزيد من الوقت لتظهر وتتوضح وتتألق . ومعظم الأعمال المعروضة تظهر حالات التفاعل مع المظاهر اللونية العفوية ،المنحاز نحو اللمسة الانطباعية والتعبيرية، وصولا الى اختصارات المساحات اللونية الى حدود التجريد الهندسي والإنفعالي, كما ان التحول التقني والأسلوبي ،الذي ظهر في تجارب بعض الاسماء الجديدة قد غذى امكانية اعتبار تلك الأعمال بمثابة حلقات جديدة متملصة من رتابة التكرار والمراوحة في حدود الجمود الاسلوبي. هكذا سعت مديرية الفنون في هذا المعرض للتعريف بمختلف الاختبارات الفنية المتواجدة في المحترفات السورية، وهي في ذلك تساعد ،من خلال التركيز على الأعمال المميزة ،على النهوض بالثقافة البصرية ،وردم الهوة والفراغ الموجود بين الفنان والجمهور, اذ من المعروف اننا نواجه مشكلة حقيقية تتفاقم فيها ازمة وصول اللوحة والمنحوتة الحديثة الى الناس, وهذا عائد بالدرجة الاولى الى فشل المخططات التربوية السابقة ، وعدم جديتها في التعامل مع النتاج الفني كشاهد حضاري. تحريك المعطيات الحضارية ويشكل معرض الخريف حلقة جديدة من حلقات الانفتاح الثقافي على مختلف التيارات والاتجاهات الفنية في سورية ،ويساهم بتحريك النشاط الثقافي من خلال استقطابه الحيوي للاسماء الفنية التي تجاوز أصحابها الأربعين عاما . مع التركيز على الأسماء العاملة في مجال تشكيل اللوحة والمنحوتة والمحفورة ، لإعطاء صورة عن تنويعات الحياة الفنية في سورية، التي تتفرع في هذا المعرض، ضمن معطيات اسماء فنية مختلفة في انتماءاتها وتوجهاتها وأعمارها. وفي طروحات فنون معرض الخريف لعام 2012 تمتد فسحة من الظواهر التشكيلية، التي تتحاور بشكل مباشر وغير مباشر مع ذاكرة التراث. فقد ركز أصحاب معظم التجارب المشاركة, على مسألة تحريك المعطيات والإشارات الحضارية, وذلك للحفاظ على البقية الباقية من الذاكرة ،والمجاهرة بالقول ان عناصر التراث، ستعود الى اجواء التجارب السطحية ،بعد ان وصل أصحابها الى الطريق المسدود , وتماهت في متاهات الانحطاط الثقافي الفني المشرع على العبث التشكيلي بشكل مخيف. كما تظهر في المعرض محاولات البحث عن ثوابت وارتباطات بالطبيعة والمشاهد المحلية والمرأة والطفولة والأزهار والالوان المحلية, وهذه العناصر والمناخات البصرية، تظهر الصياغات الاسلوبية والتقنية، من ايحاءات المناخ اللوني المحلي حتى وان وصلت الى اقصى حدود التجريد الحركي والانفعالي . فالتجارب التشكيلية ليست في النهاية إلا صدى للتساؤلات التي تحاول في امكانياتها التشكيلية المتنوعة الوصول إلى صياغة عمل فني مستقبلي يعكس قدرة الفنان المعاصر، في المجاهرة بالأزمنة التشكيلية ،التي عرفتها فنون العواصم الكبرى في القرن العشرين، قرن التحولات والانقلابات الفنية الكبرى. وبالرغم من وجود عدة لوحات تبدو بمثابة حلقات متشعبة من تشنجات الآلام والتوترات المفجعة المنتسبة لقلق الجماعة، يمكننا القول ان النتاج التشكيلي المحلي المتأثر بأجواء الحرب، لم يتضح بعد ولايشكل تيارا أو اتجاها مستقلا، كأن العين لاتريد الاستغراق في تأملات الوجوه الواجمة والمفجوعة والزوايا القاتمة والمعتمة والمتراكمة فوق بعضها البعض كتراكم الأحزان وسوداوية الأيام الراهنة، بل تطلب فسحة أمل وتفاؤل وخلاص من خلال محاولات الإرتماء في احضان الطبيعة ،والتركيز على النواحي الجمالية القادمة من تطور اللمسة اللونية العفوية ،ومن إعادة صياغة إشارات الواقع وعناصر التراث والتفاعل الحسي المباشر، مع هذه المشاهد والإشارات والدلالات، وهذا ما نجده في الأعمال التي استخدمت تقنيات عدة، في خطوات الوصول الرؤية التشكيلية المعبرة عن التناقض العقلاني والعاطفي . |
|