تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة في الحدث.. صدق ...لا تصدق

آراء
الخميس 6-12-2012
د. اسكندر لوقا

بالعودة إلى صحافة العام 2010 الصادرة باللغة الانكليزية نقرأ في صحيفة الـ«نيويورك تايمز» بتاريخ 25 كانون الثاني مقالاً للكاتب «ليونيل بينر» يتحدث فيه عن مدينة حلب بعد زيارته لها قائلاً: «إن سوق المدينة القديم هو الأروع بين أسواق العالم العربي التي مررت بها في حياتي».

وأضاف في هذا السياق قوله إن ما يميز هذا السوق عن باقي الأسواق في المنطقة عموماً أنه «ليس فخاً لسياح بل هو سوق حقيقي».‏

وفي هذه المناسبة ينصح الكاتب السياح بزيارة السوق قبل موعد فتح المحلات كي يستمتعوا بمشاهدة زخرفة أبوابها الخشبية المنقوشة وهم في طريقهم لزيارة أماكن أخرى في المدينة، المدينة التي نعرفها نحن أبناء سورية كما عرفها الكاتب بخاناتها الأثرية وباحاتها المزدانة بأشجار الياسمين والحمضيات وبقلعتها الشهيرة وفنادقها الشعبية في الحارات القديمة الضيقة وبأسوارها التي تحكي نضال أبنائها في أزمنة التصدي لموجات الغزو منذ أيام التتار إلى أيام العثمانيين والفرنسيين وسوى ذلك من مواقع تغري المقيم فيها وزائرها معاً للتجول في أرجائها وتذوق أطباقها الشهية في مطاعمها المنتشرة سواء في قلب المدينة أو في أطرافها.‏

في إطار هذه الوقفة مع ما شهده الكاتب ليونيل وصوره بقلمه بدقة ترى ماذا كان يمكن أن يراه لو أنه زارها قبل أسابيع وأشهر قليلة على سبيل المثال؟ ربما كان عاد إلى بلده مصدوماً بما رآه ولحذر السياح من السفر إلى المدينة التي فقدت سوقها «الأروع بين أسواق العالم العربي» كما شوهت هويتها العريقة التي اصطبغت بها على مدى قرون لا سنوات فقط.‏

وبطبيعة الحال كان سيخرج بانطباع أنه لا يصدق أن يقدم سكان مدينة للاعتداء على مدينتهم التي ولدوا فيها وكبروا وأكلوا من خيراتها وعملوا في أرضها وخصوصاً مدينة مثل مدينة حلب هذه المدينة التي طالما لعبت أدواراً باهرة في تاريخ المنطقة عموماً وكانت الطريق الواصل بين الشرق والغرب حضارياً تحديداً حتى أشهر قليلة سبقت ما لحق بها من مصائب لم تكن في حسبان أحد لا من بين أبنائها ولا حتى من بين أبناء وطننا الغالي بمختلف شرائحهم المعروفة.‏

وثمة أيضاً العديد ممن أضاف إلى ما كتبه «ليونيل بينر» في وقت لاحق حول حاضر مدينة حلب ومستقبلها تزامناً مع صحيفة الـ«نيويورك تايمز».‏

ومن أبرز هؤلاء البروفسور الأميركي والخبير في الشؤون السورية «جوشوا لاندس» الذي نقرأ له قوله: «إن البنية التحتية للسياحة في مدينة حلب تتحسن بشكل جذري وقد أكدت هذه الظاهرة وجود فرص الاستثمار خصوصاً في الأحياء القديمة من المدينة ولكن المهم هو الاستثمار الآن قبل أن يتهافت إليها المستثمرون الآخرون».‏

ولم يكن يتصور هذا البروفسور كما كل أبناء البلد أن ثمة تهافتاً من نوع آخر ستشهده المدينة على نحو ما شاهدته مؤخراً كما أن طالب هندسة الديكور «كرم أرتين» أيضاً لم يكن يتصور ما لحق بها من دمار يوم وصف المدينة ذات مرة بقول:«إن مدينة حلب تتمتع بمزيج ثقافي غني وسوف تغص بالسياح في السنوات القادمة ونأمل أن يكونوا من الأميركيين أيضاً».‏

تلك هي حلب التي تغص هذه الأيام بمسلحين أتباع أعداء سورية لا حلب وحدها.‏

تلك هي حلب التي تبقى قرة عيون أبنائها وأبناء الوطن كافة وإن جار عليها الزمن على النحو الذي تعيشه هذه الأيام وهي في سيرها على درب إعادة بناء ما تهدم وعودة نبض الحياة في أرجائها إلى نحو ما كانت عليه قبل الأزمة الراهنة.‏

Iskandarlouka@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية