تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


آدم

الخميس 6-12-2012
شهناز صبحي فاكوش

عندما كنت أبحث بين أزرار محطات التلفاز عن خبر جديد مفيد أو مؤلم حيث ليس من فرح بين شلالات الدم التي تنال الأطفال أكثر من غيرهم، خرجت على سطح الشاشة جموع أطفال مدرسة بينهم الممثل (أحمد آدم)

المصري صاحب الظل الخفيف وهو يرفع يديه ويقول (قولوا الله - قولوا يا رب) وفي كلمات الأغنية حب للوطن وود يؤلف بين قلوب الناس. ولشدة تأثري أحسست أن دموعي التي تغلبني كما دائماً عندما تقفز لحظات (دون شُغْلٍ) إلى مساحة الزمن في استحضار مواقف وكلمات لمن غابوا عن ناظريّ، لكنهم لم يفارقوني لحظة في امتداد خط الفقد الذي يسير لا أعرف إلى أين، وهل من نهاية له في ظل ما ينال الوطن من قتل وتفجير وفاجعة تنال قلوب الأمهات مرة بعد مرة.‏

ولشدة تأثري بالمشهد سعيت بالأزرار إلى غير قناة على غير هدى وأنا شاردة في صور الأطفال الذين حرموا نعمة المدرسة وألعابَهم وثيابَهم ورفقةَ أصدقائِهم في بُعْدٍ إن لم يكن في فَقْد.‏

ولكنني سرعان ما عدت إلى ذات القناة أبحث عنها لألحق بآخر كلمات لهم (بالحب ننسى دموعنا – ونوّر كل شموعنا)... قولوا الله قولوا يا رب...‏

هل يمكن أن نتسامى على الأحقاد قبل الجراح، لتكون الدموع بلسماً لها، هل يمكن في لحظة عفو عند المقدرة انكفاء السلاح ومد الأيدي لتتشابك في رفع الأنقاض والرفات، وحفر أساسات إعادة بناء الوطن وما تحطم منه.. بسبب أتون النار والدمار..‏

وفي لحظات التفكر (ضمن ساعات التجلي) بما يمكن أن نُغْفِلَهُ لتجاوز الأزمة بتأكيد فعل قويم نباهي به، يظهر الشريط الأحمر على شاشة التلفزة ليعلن عن استشهاد معلمين وأطفال في مدرسة للتعليم الأساسي في مخيم الوافدين بقذيفة أطلقها المسلحون... في جريمة نكراء.. من أيد تسكن قلوبها الأورام الخبيثة.‏

ماذا تريدون؟؟!! وبالقلم العريض... التسلط والسيطرة على الوطن... لن تنالوها مهما غَلَتِ التضحيات.‏

إلى أين تسعون في أخذ البلاد... إلى الفقر والأمية والمرض... لنكون أمة مغلوبة!!.‏

نعلن ببلاغات رسمية... لن تتحقق أحلام عصافيركم، فالتشرذم والفرقة والتشتت سبيلكم ومصيركم إلى زوال مهما كانت شعاراتكم المفبركة (براقة) ومهما رسمتموها بأشكال هندسية لافتة، فهلاميتها هي نتيجة عجين الكبار الذي لا ينتج خبزاً، والغايات أصبحت مكشوفة.‏

أطفال في عمر الزهور تقطعون شرياناتها عن الحياة، الصهاينة وحدهم يستهدفون الأطفال والشباب الفلسطينيين خشيةَ مواجهتهم لهم عند اليفاعة أو النضوج.. قطعاً أنكم من ذات المشرب تنهلون حتى يكون استهدافكم لذات الفئة من أبناء الوطن، هنا تلتبس المفاهيم لدى المتفكر إلى أين تريدون أخذ البلاد؟؟!! سؤال متكرر... ينتظر الجواب.‏

ستقطع كل يد إرهابية غريبة تسللت إلى ساحة الوطن (وجعلت حتى حملة السلاح من أبنائه في موقع انكفاء)، لممارسة مزيد من الدم، تعوّد هؤلاء القادمون من خلف الغيوم على رؤيته وامتصاصه دون أن يرف لهم جفن، هم معتادون شرب أنخاب الدماء ولكن على ماذا؟؟ على تدمير كل ما هو جميل في الوطن، وتغطية السماء الزرقاء بسحب من الدخان تملأ رئات الناس برائحة الأجساد المشوية بفعل قذائفهم..‏

لكن الحقيقة الجلية التي تناصر إنساننا في الوطن أصبحت قناعة راسخة كشفت كل الأطر المفبركة، فقد أزف الزمان وغاياتكم أصبحت مكشوفة.‏

ولتثكيل قلوب الأمهات... لابد من استهداف الأبناء، ولتجييش الشعب على ذاته لابد من دخول عناصر غريبة بين صفوف أهله... يتباهون بسلوكيات ومفاهيم ملونة بألوان الدم والسواد، بعيداً عن قيمنا وامتداد مبادئنا، والتماهي مع سلوكياتنا التاريخية والحضارية.‏

هي خطة استعمارية بامتياز... فلا مجال لدخول جيش أمريكي نظامي على سورية تحت أي ظرف كما حدث في العراق، أمريكا لا تريد خسارة ضحايا من جيشها وقبل كل ذلك سورية محرمة على من يحاول اجتياحها أو استعمارها..‏

والناتو مرفوضٌ التعامل معه تجاه سورية، وضغط أصدقائها لا يزال قائماً.. في دحض سطوة نبوءاتهم وإخماد بركان جنونهم، وردم هذيانهم تحت تراب الدمار الذي يزرعون.‏

ولم يبق بيد أعدائها والمتآمرين عليها، وعلى مبدأ (من له صديق له ألف عدو) إلا دسّ أعداء سورية أدواتهم من القاعدة والإرهابيين، بأسمائهم الشتى إلى سورية الوطن في محاولة اغتياله من الداخل.. وقد غاب عن عيونهم... أن من تنفس هواء هذا الوطن وتوضأ بماء الشوق فيه، وسجد على سجادة الحنين إليه... وعاش مواسم فرحه واليوم يعيش مواسم ألمه وحزنه لا يمكن له إلا أن ينتصر لمصلحته مهما كانت جرعات تضليل المسلحين فيه ممن ضل السبيل من أبنائه، ظناً أنه برفع السلاح يؤكد حضوره على الأرض. لا يا ابن بلدي... ما كان السلاح يوماً لغة للتخاطب فيما بيننا...‏

ولا تفجير الذات لغة معدة مسبقاً لنشوة اللقاء كما يزرعون في أدمغة المضللين..‏

فنحن أهل الحكمة والعقل والتعقل، عَلّمْنا الدنيا لغة الخطاب والحوار، وآداب الاستماع والحديث. أمّا حوار الرصاص وحديث القذائف والاستماع للغة التعنيف، فلم تكن في مفردات حياتنا ولا تعلمناها في دروسنا، فكل ما تلقيناه مع حليب الأمهات أن لنا عدواً واحداً نشهر السلاح بوجهه هو العدو الصهيوني، المحتل الغاصب لأرضنا. أما بِدَعَهُ التي أنتجتها مختبراته المتفوقة على النووية والجرثومية، فهي هؤلاء الذين يرتدون ثياب البشر على أجساد وحوش ويحملون داخل جماجمهم أدمغة شر عالي المستوى، نماذج مصنعة في المختبرات الأمريكية نشرتها السياسة الاستعمارية في غير دولة في العالم، ثم بدأت هي تحاربها. كما نشرت في غير مرة (الجمرة الخبيثة) وتبين أن ذات المعامل التي يمتلكها أعتى السياسيين الأمريكيين المصنّعِةَ للأدوية المضادة للجمرة الخبيثة والتي روّجتها في العالم، هي ذاتها التي صنعت الجمرة الخبيثة. لأجل كسب غير مشروع. ولابد أن مصنعات مختلفة داخل مختبراتهم ستطلق للعيان كلما دعت الحاجة.. أما الإرهاب وحَمَلَتَهُ ومتدربوه فقد ضُخّوا لسورية بكثافة غير مسبوقة وكأنهم يرغبون بتجميعهم في الحديقة السورية، ليقطعوا أزهارها ويجردوها من كل قيمة جمالية فيها، وهذا ما هو بادٍ للناظرين وملموس بالحس الوضعي، سورية اليوم تحارب نيابة عن العالم كله ضد الإرهاب، ومع الأسف جزء ممن يحاربه على منابره وتصريحاته وخطبه، هو الذي يغذيه في سورية..‏

حتى لأصبح تدخلهم السافر في الساحة السورية يمتد إلى ساحات عربية أخرى فهاهم أصبحوا مكشوفين في الساحة المصرية، فتجلت النيات المبيتة والأدوات التي تعمل بالوكالة عنهم، من فضائيات ومجموعات تحاول زرع الفتن والعنف بينهم. وكان الرد صريحاً جلياً ترتفع صور سيادة الرئيس بشار الأسد في ميدان التحرير المصري وتلهج الحناجر (بان الذل وبان العار أبداً لا ترحل يا بشار)... في نصيحة جماهيرية علنية تسدى للشعب السوري. فهل من مذّكر هنا..‏

حيث أدركت جموع الأحرار هناك حجم المؤامرة التي تسللت عبر ما دعي (بالربيع العربي). فأصبحت ريحاً صفراء لإضعاف الجسد العربي وإصابته بالوهن، ثم القضاء عليه تماماً تحت اسم الدين والشريعة والسلفية وغيرها من مسميات.‏

لابد من استفاقة وصحوة لاستبعادها، ورمي السلاح وطرد المخربين خارج أرضنا الطاهرة (شام شريف).‏

وليغني الجميع مع آدم وأطفال المدارس (بالحب ننسى دموعنا.. ونوّر كل شموعنا) (قولوا الله... قولوا يا رب) فوطننا حديقة غناء يتفتح فيها النرجس والبنفسج تسرح الغيوم فوقها من علٍ تهديها الطل على الندى، تغسل وجهها الصبوح بنور الشمس الآتية من الشرق حيث يسبّح الوحي مع انكسارها على الشاطئ في أرجوانية دم شهدائها تراتيل الحب والشهادة، وهي تكتب سطور نبوءة الانتصار... مع أماسيها الصيفية الماطرة إن شاء الله. وأشجارها تبوح بخجل للقادم من الأيام عما كتب عليها في سطور الزمن الحاضر.. عندها تعاتب مشاعر الموقنين بانتصارها كل المفردات الشائكة التي ارتسمت على خيوط الذين غزلوا أكفان أبنائها.. وهم يتزلفون لمن كاد لها تحت قناع الملاطفة الذي يخفي أنيابهم التي تقطر بدم أبنائها. وهم غارقون بوحل العدمية الذي يمزق ذواتهم، ويعومون في تيارات التناقض والانكسار بمماطلة تستقي الأيام ظناً أنها ستقدر يوماً على كسرنا.. هم ينتشون بلا ارتواء من دمائنا الطاهرة، ناسين أننا أناس نتقن صلاة الاستسقاء في طلب غيث السماء من رب السماء الذي سيمن علينا بالنصر بإذنه، وهو الذي وعد بحماية الشام. ويقيننا أن الله سيكون في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه لحماية الملاذ والمأوى الوطن ولا شيء غيره..‏

فتفكر يا ابن آدم وردد مع الأطفال: قولوا الله قولوا يا رب... ولننسى دموعنا وننور شموعنا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية