تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأنياب الزرقاء والذئاب الخرقاء

متابعات سياسية
الأربعاء 4-5-2016
بقلم: عبد الرحمن غنيم

يبدو أنه مهما مرّت السنون , وتتابعت القرون , فإن أصحاب الأنياب الزرقاء من الاستعماريين البريطانيين لا يغيرون سياساتهم ولا يبدّلون , ولا يتخلون عن أدواتهم ولا بها يفرطون , والأهم أنهم لايمكنهم التخلي عمّا يريده منهم بنو صهيون , بعد أن جعلوا من أنفسهم وكلاء للمشروع الصهيوني .

تقول صحيفة « التايمز « إنه يوجد في سجون بريطانيا الآن 12 ألف سجين مسلم . والمشكلة ليست في أن يكون في سجونهم مثل هذا العدد من المسلمين أو أقل أو أكثر , وإنما هي أن تعمل بريطانيا بالذات بأسلوب « المناصحة « السعودي الذي يحوّلون بموجبه السجناء الى إرهابيين . وحسب ما أوردته الصحيفة نقلاً عن تقرير رسمي بريطاني , وليس عن قيل وقال , أن أئمّة السجون الذين عينتهم الحكومة البريطانية للقيام بالمناصحة متشدّدون متطرفون , وينشرون خطاب الكراهية بين السجناء المسلمين . فهل جاء ذلك بالصدفة أم لأن أصحاب الأنياب الزرقاءمن عتاة الاستعماريين أرادوا ذلك ؟ .‏

ما خلصت إليه الصحيفة أن 14% من السجناء قابلون للتحول الى إرهابيين . وهذا يعني أن سجون بريطانيا تنتظر تخريج حوالي 1680 إرهابياً بريطانياً جديداً ينضمون الى من سبقوهم من الإرهابيين .‏

ويبدو أن هذه الحصيلة , وبالوتيرة التي تتحقق بها , لا ترضي أصحاب الأنياب الزرقاء . وبعد أن فكروا بذلك مليّاً , اختمرت في أذهانهم فكرة جهنمية . والفكرة هي أن يستوردوا أطفالاً لاجئين بلا عائلات ترافقهم أو تتابع أمورهم , فيستفردون بهؤلاء الأطفال , ويحوّلونهم لا الى مواطنين بريطانيين صالحين , وإنما الى إرهابيين . والعدد المطروح في المزاد الآن تحدّد بثلاثة آلاف طفل . فإذا وجدوا ضالتهم ونجحت تجربتهم فتحوا مزاداً آخر لاستقطاب أطفال أبرياء وتحويلهم الى ذئاب إرهابية خرقاء .‏

لقد ولدت هذه الفكرة الجهنمية البريطانية في الواقع بعد أن كشفت مصادر في ألمانيا عن اختفاء ستة آلاف طفل لجؤوا الى ألمانيا دون عائلاتهم , ولم تعد السلطات تعثر لهم على أثر . وإن إحدى الفرضيات المطروحة هي أن تكون هناك جهة تجند الأطفال لحساب الإرهاب هي التي استقطبتهم , وربما كانت هي في الأصل من جلبتهم . ولقد قيل إن هناك آلافاً آخرين من الأطفال المماثلين فقدت آثارهم في بلدان أوروبية أخرى . وهذا يعني أن مغناطيس اجتذاب الأطفال وتحويلهم الى ذئاب خرقاء هو مغناطيس شغال , فهل تتخلف بريطانيا عن غيرها في أن يكون لها مغناطيسها الخاص بها ؟.‏

إن ما يحدث في سجون بريطانيا , ووسط الجاليات الإسلامية فيها , من تجنيد للإرهابيين , ومن رعاية خاصة لجماعة الإخوان المسلمين , ومن توظيف للأئمة المتطرفين الكاذبين , يؤكد أن بريطانيا التي صنعت الحركة الوهابية في جزيرة العرب في القرن الثامن عشر حريصة ليس فقط على استثمار هذه الحركة من قبل دعاة الحركة الوهابية وعملائها من آل سعود , وإنما في إيجاد سبل تكمن لبريطانيا توليد مثل هذا النوع من الإرهاب حتى ولو فقد حاضنته « السعودية « في أي وقت من الأوقات . ولا تفسير لهذا الانهماك البريطاني إلا أن ما يمارسه هؤلاء من إرهاب إنما يتم لحساب الإفساد الثاني لبني إسرائيل . ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان لبريطانيا فيما تفعل مصلحة تعود على الشعب البريطاني نفسه بالخير والنفع حتى ولو على حساب تعاسة الآخرين .‏

تنقل « الديلي تليغراف » عن مدرسة الدراسات الدينية والجغرافيا السياسية أنه أجرى دراسة على مائة من قادة « الجهاديين !!» على مدى ثلاثة عقود من الزمن , فتبين أن القادمين من دراسة العلوم البحتة أكثر بضعفين من نظرائهم الذين درسوا الشريعة , وأن أعداداً كبيرة منهم جاءت من جماعة الإخوان المسلمين .‏

نحن نعرف أن العديد من هؤلاء عاشوا في بريطانيا ودرسوا فيها , ونعرف أن بعضهم الآخر تخرج من مدرسة غوانتانامو الأمريكية ليكمل دراسته في شوارع بريطانيا وزواريبها الخلفية .‏

إن الصورة إذاً واضحة . ويكفي للتثبت منها أن نفكر بالسرعة الضوئية التي فكرت بها الحكومة البريطانية في التقدم الى مجلس الأمن الدولي بقرار يقضي بمحاربة داعش بعد أيام فقط من ظهور داعش الفجائي يوم 11 حزيران 2014 باحتلال الموصل ونينوى . ولكن , هل تستطيع بريطانيا حتى الآن أن تذكر ذئباً داعشياً واحداً قتلته في مكان ما استناداً الى قرار مجلس الأمن الصادر بناء على طلبها يوم 25 حزيران 2014 أي بعد أسبوعين فقط من ظهور داعش ؟ . وهل لنا أن نفهم لماذا تصرّ هيئة الإذاعة البريطانية على تسمية داعش بالدولة الإسلامية وترفض أن تشير إليها باسم داعش ؟ .‏

إن أصحاب الأنياب الزرقاء مصممون على صناعة الذئاب الخرقاء التي تخدم خطط الصهيونيين . وهذا التصميم ليس ابن اليوم ولا ابن الأمس القريب , بل بدأ عملياً مع تصنيع الحركة الوهابية في القرن الثامن عشر . وها هي بريطانيا بعد قرون تسعى لعولمة الوهابية والى إيجاد فبارك لها يجري تخليقها حتى داخل بريطانيا نفسها . فهم معنيّون بإمداد الإرهاب بالدماء , حتى وإن كانت دماء أطفال أبرياء بؤساء يجري تحويلهم الى ذئاب خرقاء , أو دماء سجناء ناصحهم أئمة بريطانيا الجهلاء ليحوّلوهم الى عملاء . وببساطة , إن بريطانيا لا تكتفي بأن يقوم آل سعود ومن على شاكلتهم من العملاء بصنع الإرهاب الأسود بل باتت معنية بصناعته بشكل مباشر لضمان استمراره حتى وإن تخلى عنه الآخرون .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية