تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سطّرت أروع صور البطولة والتضحية.. ملحمة جول جمال شهيد البحرية السورية المصرية منذ 60 عاماً

مئوية الشهداء
الأربعاء 4-5-2016
إعداد: دائرة التحقيقات

يعود بنا التاريخ إلى ستين عاماً مضت حيث نضالات شعبنا الأبي ومقاومته رفضاً للظلم وعدم الرضوخ لكل أشكال العبودية والاستعمار والعدوان، فالشعب الذي لم يهادن في يوم من الأيام محتلاً أو ظالماً على وطنه الصغير سورية، بذل الدم في ساحات الوغى في الميادين العربية انطلاقاً من وحدة الأرض والهدف والمصير.

‏‏

وإذا كان تاريخ العصر الحديث يذكر المناضل السوري سليمان الحلبي الذي طعن الحاكم العسكري الفرنسي في مصر كليبر منذ أكثر من مئة عام، فقد جاءت أسطورة العصر الحديث منذ نحو /60/ عاماً على يد بطل البحرية السورية المقدام جول جمال دفاعاً عن ساحل بور سعيد المصرية أسوة باللاذقية.‏

وفق مصدري المجموعة 73 مؤرخين - معركة البرلس البحرية 1956. والمجموعة 73 مؤرخين جول جمال - بطل البحريه المصريه السوريه نقتطف الآتي:‏

سنة /1956/م الضابط جول جمال يبعث من مصر برسالة إلى أهله يخبرهم بها أنه سيعود لأنه سيتخرج قريباً من الكلية البحرية (إن شاء الله يا بييِ بجي لعندكن ومنعيد سوى بعيد الميلاد ورأس السنة لأني بكون تخرجت).‏

/26/ تموز من العام نفسه كل الإذاعات تتناقل أخبار تأميم الرئيس الراحل (عبد الناصر) لقناة السويس كشركة مساهمة مصرية.‏

المد الثوري يجتاح كيان كل عامل وفلاح وجندي عربي مؤمن بقضيته وحالة التفاف جماهيري حول عبد الناصر، الدول الاستعمارية المتضررة من القرار (فرنسا - بريطانيا - إسرائيل) تثير زوبعة سياسية ضد قرار عبد الناصر، التوتر في أوجه والحرب على الأبواب الكل يقول ذلك.‏

/26/ تشرين الثاني ابتدأت الأعمال الحربية ضد مصر وبور سعيد جريحة بفعل قصف الطيران والبحرية الملكية البريطانية لهذه المدينة وصور القتل والدمار في كل مكان.‏

منتصف ليل /4/ تشرين الثاني الملازم ثاني جول جمال يلتقط وأقرانه بث المدمرة الفرنسية (جان بار) توجه إلى مكتب قائده جلال الدسوقي طالباً منه السماح له بالمشاركة بالعمليات الحريبة وهو يقول له (أنا لا أرى بلدين بل أرى بلداً واحداً).‏

العملية الفدائية التي قام بها البطل جول جمال على الشواطئ المصرية سطرت أروع صور البطولة والتضحية ممهداً بشظايا جسده الطاهر بداية العمليات الفدائية ضد كل من تطأ أقدامه تراب الوطن.‏

وفي هذه الأثناء لم يكن جول ورفاقه في البعثة العسكرية قد غادروا مصر بعد لأن القيادة السورية ارتأت إبقاءهم من أجل تدريبهم على زوارق طوربيد حديثة استوردتها مصر.‏

حياته..‏

كانت ولادة جول جمال سنة /1934/م في قرية (المشتاية) وانتقل هو ووالديه للعيش في (اللاذقية) حيث كان أبوه يوسف الياس جمال دكتوراً بيطرياً ومديراً للصحة الحيوانية في (اللاذقية).‏

حصل على الشهادة الابتدائية سنة /1943/م والمتوسطة سنة /1950/م من الكلية الأرثوذكسية في اللاذقية وكان حصوله على الشهادة الثانوية من الجامعة السورية في دمشق سنة /1953/م، وكان أبوه يرغب بأن يتابع ابنه تحصيله الجامعي لكن جول كان يرغب في الانتساب إلى البحرية ما اضطر الأب إلى الرضوخ إلى رغبة ابنه بعدما قبل ابنه في الكلية البحرية وتم إرساله في نفس العام ضمن بعثة عسكرية تضم /10/ طلاب للالتحاق بالكلية البحرية في مصر.‏

وفي شهر أيار من سنة /1956/م تخرج من الكلية البحرية محققاً المرتبة الأولى على دفعته من الضباط الذين كانوا معه في البعثة ليصير الملازم ثاني جول جمال، وقبل تخرجه كان جول قد أرسل رسالة إلى أهله يخبرهم فيها أنه سيعود بعد التخرج قائلاً فيها (إن شاء الله يا بيي بجي لعندكن ومنعيد سوى بعيد الميلاد ورأس السنة لأني بكون تخرجت).‏

ذكرى للتاريخ‏

لكن الأحداث كانت تتعقد خاصةً بعد القرار الشجاع الذي اتخذه الراحل عبد الناصر في شهر تموز من العام نفسه بتأميم قناة السويس كشركة مساهمة مصرية.‏

وكانت القيادة العسكرية في دمشق ترغب بإبقاء البعثة العسكرية في مصر بعد تخرجها من أجل تدريب ضباطها على زوارق طوربيد حديثة.‏

وخلال فترة الحرب كانت المدمرة الفرنسية (جان بار) أو كما كان يطلق عليها (تنين البحر الأبيض المتوسط) تقترب من الشواطئ المصرية وهدفها الأساسي هو تدمير ما تبقى من مدينة بور سعيد التي كانت قد تعرضت لقصف سلاح البحرية والطيران الملكي البريطاني، وعندما علم جول بطلب القيادة المصرية تشكيل فرق فدائية دخل إلى مكتب قائده جلال الدسوقي وطلب منه أن يسمح له بالمشاركة في العمليات العسكرية لكن قائده اعترض على ذلك كون اللوائح العسكرية لا تسمح لأي أجنبي أن يقوم بدوريات بحرية، لكن جول أصر على طلبه بالمشاركة وهو يقول له كما ورد في مذكرات وزير الإعلام المصري في ذلك الوقت (عندما أرى شوارع الإسكندرية كأني أرى شوارع اللاذقية.. وأنا لا أرى بلدين، أنا أرى بلداً واحداً).‏

وفعلاً تمت الموافقة على طلبه واشترك معه في هذه العملية ضابط آخر من البحرية السورية اسمه نخلة سكاف من اللاذقية.‏

وعن الصدى الذي تركه خبر استشهاد جول في ذلك الوقت قال ابن عمه (جول): (أنا لم أكن واعياً على تلك المرحلة كوني ولدت بعد استشهاد البطل بحوالي /14/ شهراً، لكن أبي وأمي حكوا لي كثيراً عن تلك الأيام حيث قالوا لي عندما نقلت الإذاعة نبأ استشهاد الضابط جول جمال وتدميره للمدمرة الفرنسية جان بار لم نكن نعلم أن المقصود هو ابننا وكنا نقول (الله يساعد قلب أمه (وبعد فترة علمنا أن المقصود هو ابننا جول عن طريق وزير الدفاع السوري آنذاك، ومما قالوا أيضاً أن الجوامع في تلك الفترة بدأت تكبر ودقت أجراس الكنائس وكان الناس يعيشون حماساً وطنياً منقطع النظير. وعندما أقيم جناز على روحه حضر وزير الدفاع وعدد من الضباط المصريين والسوريين، مضيفاً: (في تلك الأيام حاول العدو الإسرائيلي أن يحبط من المعنويات العالية للجماهير وذلك عن طريق نشر إشاعات تقول أن جول جمال ما زال على قيد الحياة وأنه أسير ومما كان يقال (أعطونا كوهين نعطكم جول جمال)، و(كوهين) هو جاسوس إسرائيلي سابق في سورية، وكان لهذه الإشاعات أشد الأثر على والدته التي بقيت حتى وفاتها غير مقتنعة أن ابنها قد استشهد وكانت كل يوم أحد تخرج ثيابه وتقوم بتشميسها على أمل أن ابنها سيعود، كذلك أخته التي كانت مخطوبة في تلك الفترة لكنها كانت تقول لن أتزوج حتى يعود أخي ما سبب لها مشكلات مع خطيبها أدت إلى فسخ الخطوبة وبقيت غير متزوجة حتى وفاتها.‏

في سجل المجد والفخار‏

استشهد جول جمال رحمه الله مانحاً وسام العزة والفخر لكل مواطن سوري وعربي.‏

حصل الشهيد البطل على عدد من الأوسمة في سورية ومصر وليبيا منها:‏

- براءة الوسام العسكري الأكبر من الحكومة.‏

- براءة النجمة العسكرية من جمال عبد الناصر.‏

- براءة الوشاح الأكبر من بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس.‏

- وسام القديسين بطرس وبولس من درجة الوشاح الأكبر.‏

- أكرمته قريته (المشتاية) بصنع تمثال نصفي.‏

- جول جمال فى تاريخ مصر الرسمي هو من أغرق المدمرة الفرنسية جان دارك قبالة ساحل بورسعيد فى سنة 1956. هو الأسطورة ابن اللاذقية الذى ضحى يحياته من أجل المدينة الباسلة بور سعيد في 1956 خلال العدوان الثلاثي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية